انتظر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حتى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، لإطلاق برنامج إسكان يمكّن عموم المواطنين والموظفين خاصة من الحصول على شقق سكنية بدعم حكومي وبمؤخر دفع يمتد حتى 30 عاماً، لكن تزامن إعلان هذا البرنامج مع استدعاء الهيئة الناخبة في الثامن من يونيو/ حزيران، دفع إلى طرح تساؤلات عما إذا كان إعلان هذا البرنامج جزءاً من حملة رئاسية مبكرة لولاية ثانية للرئيس تبون، وبشكل أعمّ ما إذا كان السكن كاستحقاق مواطنة ما زال في الجزائر عنواناً انتخابياً وسياسياً.
وأعلن تبون خلال زيارته ولاية خنشلة شرقيّ الجزائر، الخميس، قرار فتح التسجيل للراغبين في الحصول على شقق سكنية في إطار البرنامج الثالث لصيغة استفادة تسمى "عدل"، بداية من الخامس من يوليو/ تموز المقبل. وبرنامج "عدل" هو نظام لتوزيع السكنات بصيغة البيع بالإيجار، (بأقساط الدفع الشهري المؤخر)، مخصص للفئات ذات الدخل المتوسط التي تراوح أجورها بين 24 ألفاً إلى 120 ألف دينار جزائري (يعادل ما بين 120 دولاراً إلى 500 دولار شهرياً)، وبدأ العمل به عام 2001 في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لحل أزمة السكن الخانقة التي كانت تحاصر الجزائريين.
وأعلن تبون قراراً ثانياً يخص رفع المساعدة المالية التي تقدمها الدولة إلى سكان المناطق الريفية والجبلية لبناء مساكن ذاتية من قيمة تعادل 3500 دولار، إلى 5 آلاف دولار. لكن قرارات تبون هذه، بغضّ النظر عن طابعها الاجتماعي، فإن توقيتها الذي جاء عشية بدء الاستدعاء الرسمي لانتخابات الرئاسة، دفع الكثير من التقديرات إلى ربطها بالسياق الانتخابي، واعتبارها جزءاً من برنامج حملة تبون الانتخابية، ولو بطريقة غير مباشرة.
وبالنسبة إلى الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، نورة بن مولى، فإن "السكن في الجزائر ما زال عنواناً سياسياً في الانتخابات"، لأنّ السكن كان جزءاً من دوافع لمختلف الاضطرابات الاجتماعية التي حصلت في البلاد، وبالتالي ينظر إليه دائماً على أنه مسألة سياسية أكثر منها حاجة اجتماعية مهمة. وقالت بن مولى لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن يضمن المرشحون في برامجهم الانتخابية وعوداً لتحسين السكن وتسهيل الحصول عليه لكسب الوعاء الانتخابي والمواطنين للمشاركة في الانتخابات أولاً، ومع توالي الاستحقاقات أصبح عملية ضخّ لاستمالة العواطف والبحث عن منجز اجتماعي للمترشحين، خصوصاً أنّ أزمة السكن تتسع مع مرور السنوات، لعدة أسباب".
ومن وجهة نظر بن مولى، فإنّ "الأسباب تتمثل بالنزوح الريفي والزيادة الديمغرافية، حيث إنّ هناك علاقة غير متكافئة بينها وبين المنجز في الميدان، حيث يتعين على الجزائر أن تنتج أكثر من مليوني وحدة سكنية في عشر سنوات، وهذا يجعل من مسألة الحصول على شقة سكنية هاجساً وانشغالاً اجتماعياً مهماً للغاية، باعتباره يسمح بإنشاء الأسرة كأحد أسس المجتمع الجزائري".
وتخصص الحكومة أكثر من 1.5 مليار دولار من الموازنة السنوية، لدعم السكن الذي يقع في صلب السياسات الاجتماعية العمومية للدولة في الجزائر، وأحد أوجه تنفيذ السياسة الاجتماعية للحكومة، وتشمل كل الصيغ السكنية، سواء الشقق الاجتماعية التي تمنح مجاناً للفئات الهشة، أو السكن الريفي، وهو عبارة عن إعانة تقدمها الدولة للأسر الساكنة في المناطق الريفية لبناء مساكن فردية، أو السكن الترقوي الموجه إلى الفئات التي يتجاوز دخلها 600 دولار شهرياً.
لكن هذه الجهود الحكومية لتوفير السكن، وآخرها ما أعلنه الرئيس تبون، غالباً ما تكون محل مزايدة سياسية وانتخابية، إذ يستغل ملف السكن محلياً ومركزياً في الحملات الانتخابية والدعاية السياسية لصالح السلطة ورئيس الجمهورية منذ عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خصوصاً عندما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى كالانتخابات الرئاسية، ويتم بشكل لافت إعلان إطلاق برامج ووعود الإسكان، أو جدولة كبرى عمليات توزيع الآلاف من الشقق السكنية، غالباً عشية استحقاقات سياسية وانتخابية، لاستقطاب الناخبين، وتحرص فيها القنوات على استصدار تصريحات من السكان المستفيدين من السكن تتضمن الشكر والتثمين لرئيس الجمهورية، ويتحول معها توزيع الشقق السكنية على الجزائريين من استحقاق مرتبط بالمواطنة إلى حملة دعائية.
ويعتقد باحثون أن الحاجة المجتمعية للسكن، خصوصاً بعد فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينيات، ما شكل أحزمة من الأحياء العشوائية في أطراف المدن الكبرى، أسست لحالة من الزبونية بين الناخب والمترشح السياسي، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، وكانت برامج توزيع السكنات تستخدم لمساومة الناخبين وتقديم الوعود لهم من قبل الأحزاب وممثلي المترشحين خلال الانتخابات مقابل الحصول على أصواتهم وحشدهم لصالحهم.
ويؤكد الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة وهران غربي الجزائر، نور الدين عوابدية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "في الجزائر، ومع مرور الوقت، تحولت هذه العلاقة إلى علاقة زبونية تنتظر فيها الحكومة مقابلاً سياسياً من قبل المواطن، رغم أنها حقّ مكتسب منذ الاستقلال، خصوصاً في إطار تعزيز السلم والاستقرار وما يسمى السلم الاجتماعي، خصوصاً إذا سلمنا أن أزمة السكن كثيراً ما كانت تخلق احتجاجات في البلديات، سواء عند احتجاج عدم الاستفادة من السكن أو عند ورود قوائم السكن وإقصاء البعض، أو في المناسبات الانتخابية".
وبيّن عوابدية أنّ "هناك عدة أوجه من المقابل السياسي لقاء السكن، كالتأييد والمساندة والمشاركة في الانتخابات"، مضيفاً أنّ "السكن الذي يعتمد على المال العام في إطار الصيغ المتنوعة، أصبح ورقة سياسية في مختلف الانتخابات، وأصبحت العلاقة تمتد مع الزمن بين الفاعل السياسي والمواطن، حيث عرفنا من خلال التجارب أن الحصول على سكن قد يتأخر لأكثر من عشر سنوات".
وأعلن تبون خلال زيارته ولاية خنشلة شرقيّ الجزائر، الخميس، قرار فتح التسجيل للراغبين في الحصول على شقق سكنية في إطار البرنامج الثالث لصيغة استفادة تسمى "عدل"، بداية من الخامس من يوليو/ تموز المقبل. وبرنامج "عدل" هو نظام لتوزيع السكنات بصيغة البيع بالإيجار، (بأقساط الدفع الشهري المؤخر)، مخصص للفئات ذات الدخل المتوسط التي تراوح أجورها بين 24 ألفاً إلى 120 ألف دينار جزائري (يعادل ما بين 120 دولاراً إلى 500 دولار شهرياً)، وبدأ العمل به عام 2001 في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لحل أزمة السكن الخانقة التي كانت تحاصر الجزائريين.
وأعلن تبون قراراً ثانياً يخص رفع المساعدة المالية التي تقدمها الدولة إلى سكان المناطق الريفية والجبلية لبناء مساكن ذاتية من قيمة تعادل 3500 دولار، إلى 5 آلاف دولار. لكن قرارات تبون هذه، بغضّ النظر عن طابعها الاجتماعي، فإن توقيتها الذي جاء عشية بدء الاستدعاء الرسمي لانتخابات الرئاسة، دفع الكثير من التقديرات إلى ربطها بالسياق الانتخابي، واعتبارها جزءاً من برنامج حملة تبون الانتخابية، ولو بطريقة غير مباشرة.
وبالنسبة إلى الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، نورة بن مولى، فإن "السكن في الجزائر ما زال عنواناً سياسياً في الانتخابات"، لأنّ السكن كان جزءاً من دوافع لمختلف الاضطرابات الاجتماعية التي حصلت في البلاد، وبالتالي ينظر إليه دائماً على أنه مسألة سياسية أكثر منها حاجة اجتماعية مهمة. وقالت بن مولى لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن يضمن المرشحون في برامجهم الانتخابية وعوداً لتحسين السكن وتسهيل الحصول عليه لكسب الوعاء الانتخابي والمواطنين للمشاركة في الانتخابات أولاً، ومع توالي الاستحقاقات أصبح عملية ضخّ لاستمالة العواطف والبحث عن منجز اجتماعي للمترشحين، خصوصاً أنّ أزمة السكن تتسع مع مرور السنوات، لعدة أسباب".
ومن وجهة نظر بن مولى، فإنّ "الأسباب تتمثل بالنزوح الريفي والزيادة الديمغرافية، حيث إنّ هناك علاقة غير متكافئة بينها وبين المنجز في الميدان، حيث يتعين على الجزائر أن تنتج أكثر من مليوني وحدة سكنية في عشر سنوات، وهذا يجعل من مسألة الحصول على شقة سكنية هاجساً وانشغالاً اجتماعياً مهماً للغاية، باعتباره يسمح بإنشاء الأسرة كأحد أسس المجتمع الجزائري".
وتخصص الحكومة أكثر من 1.5 مليار دولار من الموازنة السنوية، لدعم السكن الذي يقع في صلب السياسات الاجتماعية العمومية للدولة في الجزائر، وأحد أوجه تنفيذ السياسة الاجتماعية للحكومة، وتشمل كل الصيغ السكنية، سواء الشقق الاجتماعية التي تمنح مجاناً للفئات الهشة، أو السكن الريفي، وهو عبارة عن إعانة تقدمها الدولة للأسر الساكنة في المناطق الريفية لبناء مساكن فردية، أو السكن الترقوي الموجه إلى الفئات التي يتجاوز دخلها 600 دولار شهرياً.
لكن هذه الجهود الحكومية لتوفير السكن، وآخرها ما أعلنه الرئيس تبون، غالباً ما تكون محل مزايدة سياسية وانتخابية، إذ يستغل ملف السكن محلياً ومركزياً في الحملات الانتخابية والدعاية السياسية لصالح السلطة ورئيس الجمهورية منذ عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خصوصاً عندما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى كالانتخابات الرئاسية، ويتم بشكل لافت إعلان إطلاق برامج ووعود الإسكان، أو جدولة كبرى عمليات توزيع الآلاف من الشقق السكنية، غالباً عشية استحقاقات سياسية وانتخابية، لاستقطاب الناخبين، وتحرص فيها القنوات على استصدار تصريحات من السكان المستفيدين من السكن تتضمن الشكر والتثمين لرئيس الجمهورية، ويتحول معها توزيع الشقق السكنية على الجزائريين من استحقاق مرتبط بالمواطنة إلى حملة دعائية.
ويعتقد باحثون أن الحاجة المجتمعية للسكن، خصوصاً بعد فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في التسعينيات، ما شكل أحزمة من الأحياء العشوائية في أطراف المدن الكبرى، أسست لحالة من الزبونية بين الناخب والمترشح السياسي، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، وكانت برامج توزيع السكنات تستخدم لمساومة الناخبين وتقديم الوعود لهم من قبل الأحزاب وممثلي المترشحين خلال الانتخابات مقابل الحصول على أصواتهم وحشدهم لصالحهم.
ويؤكد الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة وهران غربي الجزائر، نور الدين عوابدية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "في الجزائر، ومع مرور الوقت، تحولت هذه العلاقة إلى علاقة زبونية تنتظر فيها الحكومة مقابلاً سياسياً من قبل المواطن، رغم أنها حقّ مكتسب منذ الاستقلال، خصوصاً في إطار تعزيز السلم والاستقرار وما يسمى السلم الاجتماعي، خصوصاً إذا سلمنا أن أزمة السكن كثيراً ما كانت تخلق احتجاجات في البلديات، سواء عند احتجاج عدم الاستفادة من السكن أو عند ورود قوائم السكن وإقصاء البعض، أو في المناسبات الانتخابية".
وبيّن عوابدية أنّ "هناك عدة أوجه من المقابل السياسي لقاء السكن، كالتأييد والمساندة والمشاركة في الانتخابات"، مضيفاً أنّ "السكن الذي يعتمد على المال العام في إطار الصيغ المتنوعة، أصبح ورقة سياسية في مختلف الانتخابات، وأصبحت العلاقة تمتد مع الزمن بين الفاعل السياسي والمواطن، حيث عرفنا من خلال التجارب أن الحصول على سكن قد يتأخر لأكثر من عشر سنوات".