في رسالة قَدَرِيّة لها معناها، جرفت مياه البحر المتوسط جزءاً من الرصيف البحري، الذي بنته الولايات المتّحدة في ساحل غزّة. كما لو كان البحر يقول، لمن يهمّه الأمر، إنّ ذلك الميناء المُؤقّت لم يولد لكي يستمرّ، وإنّما سيبتلعه المتوسّط تحت مياهه، عاجلاً أو آجلاً.
تناولت هذه الزاوية الأسبوع الماضي ما يعنيه هذا المشروع الأميركي الجديد من بداية احتلالٍ مباشرٍ لأرض غزّة. وينطوي هذا التوجّه الاستعماري التقليدي على مخاطر تتربّص بالقضية الفلسطينية وأصحابها، قد تكون أخطرَ بكثير من الشكل المادي للاحتلال. فالهدف من بناء رصيف بحري أو ميناء مُؤقّت ليس بالتأكيد إدخال المساعدات إلى القطاع، وحتّى في هذه الحالة فإنّ تدفّق القوات ممكن وميسور عبر إسرائيل نفسها، وربّما عبر الأردن أيضاً.
الأمر أخطر من ذلك، فكما سيكون ذلك الميناء بوّابةَ عبورٍ للمساعدات والبضائع إلى الداخل، سيكون أيضاً بوابة عبور إلى الخارج؛ للفلسطينيين وعائلاتهم، وممتلكاتهم مما يسهل حمله ويغلو ثمنه. ليس سرّاً أنّ إدارة جو بايدن وحكومة نتنياهو، رغم الخلافات الحادّة بينهما، سياسياً وشخصياً، تتّفقان في ضرورة مواجهة الكارثة التي حلّت بإسرائيل في 7 أكتوبر (2023)، بشكل نهائي وجذري. وإذا كان نتنياهو يتمنّى قتل الفلسطينيين جميعاً بدم بارد، فإنّ بايدن لا يُقرّ هذا الحلّ، ليس حُبّاً بالفلسطينيين ولا إنسانية منه، بل لأنّه في عام انتخابات الرئاسة، إذ تحذّره قياسات الرأي العام، وتحرّكات طلبة الجامعات ضدّ ما يجري للفلسطينيين، بشدّة من الانسياق وراء الانحياز المطلق إلى جانب إسرائيل، إضافة إلى تصاعد موجة الغضب العالمي من إسرائيل، وامتدادها حتّى إلى الكيانات القانونية الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، فإنّ العودة إلى سياسة الإبعاد، التي كانت مُتّبعة جزئياً في التسعينيات، تُقدّم حلاً سحرياً يُرضي نتنياهو ويجنّب بايدن الحرج.
ولمّا كانت مصر تمتنع عن المشاركة في هذا المخطّط عبر معبر رفح، فلا غضاضة من إيجاد منفذ آخر لا سيطرة للقاهرة عليه. وحينئذ، لن يذهب من الفلسطينيين إلى معبر رفح سوى من يريد قاصداً الدخول إلى مصر، وليس مُجرّد الخروج من غزّة. وفي هذه الحالة، لعلّ العقل السياسي الإسرائيلي الأميركي يقول: "فلينعم هؤلاء بمصر ولتنعم بهم". وبالتأكيد لن يكون التهجير صريحاً فجّاً، وإنّما سيتم بنعومة تظهره كما لو كان اختيارياً، عبر التلاعب بورقة إعمار القطاع، الذي تهدّم كلّه تقريباً، واستخدام ضعف البنية التحتية، ودمار المرافق الخدمية، في الضغط المباشر على فلسطينيي غزّة، وإغرائهم، في المقابل، بفرص عمل وإقامة وحياة آمنة في بلاد أخرى من العالم. أي تهجير قسري بغلاف طوعي.
ثمّة أهدافٌ أخرى للرصيف الذي جرفت مياه البحر الأبيض المتوسّط جزءاً منه قبل أيام، من أهمّها تأسيس قاعدة عسكرية أميركية في منطقة وسط بين ليبيا في الغرب، حيث وجود تركي ومحاولات روسية للتمركز هناك، وسورية في الشرق، حيث توجد موسكو عسكرياً. وبدلاً من استخدام مدن أو مناطق إسرائيلية ساحلية لتدشين الوجود العسكري الأميركي، سيوفّر التمركز في غزّة حمايةً إضافيةً لإسرائيل، ويجنّبها أيَّ مخاطر أمنية محتملة، ستكون في غزّة من نصيب الفلسطينيين وحدهم. ولا يمكن فصل هذه المُخطّطات عن مستقبل غزّة والقضية الفلسطينية ككل. لن تغامر واشنطن بوضع جنودها في مرمى نيران المقاومة الفلسطينية أو غيرهم، ولذا، فإنّ إدارة القطاع مستقبلاً، ستكون محلّ نقاش مكثّف مع كلّ الأطراف المعنية على الفور، بعد أن كانت محلَّ تحضيرات ونقاشات داخلية مطوّلة في أروقة الإدارة الأميركية وأجهزة الأمن القومي ووزارة الخارجية. وفي هذا حديث آخر.
تناولت هذه الزاوية الأسبوع الماضي ما يعنيه هذا المشروع الأميركي الجديد من بداية احتلالٍ مباشرٍ لأرض غزّة. وينطوي هذا التوجّه الاستعماري التقليدي على مخاطر تتربّص بالقضية الفلسطينية وأصحابها، قد تكون أخطرَ بكثير من الشكل المادي للاحتلال. فالهدف من بناء رصيف بحري أو ميناء مُؤقّت ليس بالتأكيد إدخال المساعدات إلى القطاع، وحتّى في هذه الحالة فإنّ تدفّق القوات ممكن وميسور عبر إسرائيل نفسها، وربّما عبر الأردن أيضاً.
الأمر أخطر من ذلك، فكما سيكون ذلك الميناء بوّابةَ عبورٍ للمساعدات والبضائع إلى الداخل، سيكون أيضاً بوابة عبور إلى الخارج؛ للفلسطينيين وعائلاتهم، وممتلكاتهم مما يسهل حمله ويغلو ثمنه. ليس سرّاً أنّ إدارة جو بايدن وحكومة نتنياهو، رغم الخلافات الحادّة بينهما، سياسياً وشخصياً، تتّفقان في ضرورة مواجهة الكارثة التي حلّت بإسرائيل في 7 أكتوبر (2023)، بشكل نهائي وجذري. وإذا كان نتنياهو يتمنّى قتل الفلسطينيين جميعاً بدم بارد، فإنّ بايدن لا يُقرّ هذا الحلّ، ليس حُبّاً بالفلسطينيين ولا إنسانية منه، بل لأنّه في عام انتخابات الرئاسة، إذ تحذّره قياسات الرأي العام، وتحرّكات طلبة الجامعات ضدّ ما يجري للفلسطينيين، بشدّة من الانسياق وراء الانحياز المطلق إلى جانب إسرائيل، إضافة إلى تصاعد موجة الغضب العالمي من إسرائيل، وامتدادها حتّى إلى الكيانات القانونية الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، فإنّ العودة إلى سياسة الإبعاد، التي كانت مُتّبعة جزئياً في التسعينيات، تُقدّم حلاً سحرياً يُرضي نتنياهو ويجنّب بايدن الحرج.
ولمّا كانت مصر تمتنع عن المشاركة في هذا المخطّط عبر معبر رفح، فلا غضاضة من إيجاد منفذ آخر لا سيطرة للقاهرة عليه. وحينئذ، لن يذهب من الفلسطينيين إلى معبر رفح سوى من يريد قاصداً الدخول إلى مصر، وليس مُجرّد الخروج من غزّة. وفي هذه الحالة، لعلّ العقل السياسي الإسرائيلي الأميركي يقول: "فلينعم هؤلاء بمصر ولتنعم بهم". وبالتأكيد لن يكون التهجير صريحاً فجّاً، وإنّما سيتم بنعومة تظهره كما لو كان اختيارياً، عبر التلاعب بورقة إعمار القطاع، الذي تهدّم كلّه تقريباً، واستخدام ضعف البنية التحتية، ودمار المرافق الخدمية، في الضغط المباشر على فلسطينيي غزّة، وإغرائهم، في المقابل، بفرص عمل وإقامة وحياة آمنة في بلاد أخرى من العالم. أي تهجير قسري بغلاف طوعي.
ثمّة أهدافٌ أخرى للرصيف الذي جرفت مياه البحر الأبيض المتوسّط جزءاً منه قبل أيام، من أهمّها تأسيس قاعدة عسكرية أميركية في منطقة وسط بين ليبيا في الغرب، حيث وجود تركي ومحاولات روسية للتمركز هناك، وسورية في الشرق، حيث توجد موسكو عسكرياً. وبدلاً من استخدام مدن أو مناطق إسرائيلية ساحلية لتدشين الوجود العسكري الأميركي، سيوفّر التمركز في غزّة حمايةً إضافيةً لإسرائيل، ويجنّبها أيَّ مخاطر أمنية محتملة، ستكون في غزّة من نصيب الفلسطينيين وحدهم. ولا يمكن فصل هذه المُخطّطات عن مستقبل غزّة والقضية الفلسطينية ككل. لن تغامر واشنطن بوضع جنودها في مرمى نيران المقاومة الفلسطينية أو غيرهم، ولذا، فإنّ إدارة القطاع مستقبلاً، ستكون محلّ نقاش مكثّف مع كلّ الأطراف المعنية على الفور، بعد أن كانت محلَّ تحضيرات ونقاشات داخلية مطوّلة في أروقة الإدارة الأميركية وأجهزة الأمن القومي ووزارة الخارجية. وفي هذا حديث آخر.