تزور القاهرة هذه الأيام وحتى منتصف الشهر المقبل بعثة من صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعة الثالثة للبرنامج الاقتصادي الذي حصلت مصر بموجبه على موافقة الصندوق إقراضها 8 مليارات دولار. وبمجرد إتمام المراجعة الثالثة، ستحصل الحكومة على شريحة ثالثة بقيمة 820 مليون دولار من القرض.
السؤال هنا لم يعد ينصب على ماذا تفعل بعثة الصندوق في مصر؟ فالجميع يعلم أن البعثة جاءت للتأكد من تطبيق الحكومة المصرية الالتزامات التي قطعتها على نفسها وتعهدت بها وفي مقدمتها تعويم الجنيه وترك سعر الصرف للعرض والطلب، وزيادة أسعار السلع والخدمات بما فيها مشتقات الوقود والكهرباء والمياه والمواصلات العامة والضرائب والرسوم، والإسراع في بيع أصول الدولة، وخروج المؤسسات السيادية من المشهد الاقتصادي وبيع عدد من الشركات التابعة لها. لكن السؤال الأهم هو عن القرابين التي قدمتها الحكومة للصندوق قبل استقبال البعثة وابلاغها رسالة عملية بالجدية في تنفيذ الالتزامات والتعهدات التي قطعتها على نفسها مقابل الحصول على قرض سخي.
أول تلك القرابين هو التأكيد عمليا على البدء بخصخصة قطاع الصحة في مصر وهو حساس جماهيريا، وبيع المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص والمستثمرين، حيث وافق مجلس النواب على تشريع يفتح الباب لخصخصة المرافق الصحية العامة، من خلال منح القطاع الخاص سلطة إدارتها وتشغيلها، ورفع أسعار الخدمات العلاجية. وخرج علينا رئيس البرلمان حنفي الجبالي ليؤكد أن انتفاع المستثمرين بتلك المرافق لا يخالف الدستور، وأن منح المستثمرين حق الانتفاع بالمرافق العامة ليس ابتداع اليوم أو وليده، وإنما هو حكم درجت عليه الدساتير المصرية، وآخرها الدستور الحالي.
وثاني القرابين في مصر هو إرسال الحكومة رسائل للصندوق بالجدية في بيع أصول الدولة وتسريع هذا الملف، حيث أعلنت أنها تبحث عقد شراكات استثمارية جديدة مع السعودية، ومن بين تلك الشركات ابرام صفقة رأس جميلة على غرار صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، وتم الإعلان عن بيع عدة شركات، كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها.
وهناك قرابين أخرى في مصر منها السماح بتحرك أكبر لسعر الصرف زيادة وهبوطا سواء على مستوى الجنيه أو الدولار، وعدم تبني سياسة التثبيت التي أصر عليها البنك المركزي في سنوات سابقة والتهمت الاحتياطي الأجنبي، واعلان البنك المركزي عن حدوث زيادات متواصلة في الاحتياطي الأجنبي مع وصول الشريحة الثانية من قيمة صفقة رأس الحكمة والبالغة 14 مليار دولار، وتعهد الحكومة بتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وزيادة مستويات الأجور في مواجهة التضخم، والحد من ارتفاع الأسعار، ودعم أصحاب الأعمال على زيادة معدلات التشغيل حفاظاً على حقوق العمال، مع فتح اعتماد إضافي في موازنة السنة المالية 2023-2024 بقيمة 320 مليار جنيه (6.82 مليارات دولار)، لتغطية مخصصات حزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها الحكومة في مارس/ آذار الماضي، والعجز الناتج عن زيادة أسعار الفائدة، وتحرير سعر الصرف، فضلاً عن زيادة سعر توريد القمح، ودعم أسعار المواد البترولية.
وأعادت حكومة مصر ووسائل الإعلام المحسوبة عليها تذكير الخارج والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة بالعبء الذي تتحمله الدولة عن استضافة اللاجئين والبالغ عددهم نحو 9 ملايين، تزيد تكلفة استضافتهم على 10 مليارات دولار سنوياً، والتأكيد على أن هؤلاء يستهلكون مياهاً بواقع 4.5 مليارات متر مكعب في العام، الأمر الذي يستلزم إنشاء محطات تحلية ومعالجة جديدة للمياه بتكلفة كبيرة للغاية، وهذه المحطات تحتاج مليارات الدولارات غير المتوافرة في مصر في ظل أزمة النقد الأجنبي.
كما تم ارسال رسالة مهمة للصندوق من قبل الحكومة تتعلق بواحد من أهم الملفات حساسية لدى المصريين وهو رغيف الخبز، حيث تم خفض دعم الخبز والتموين بالدولار في موازنة 2023-2024، من 4.11 مليارات دولار إلى 2.79 مليار، بتراجع 32%، بما يفتح الباب أمام تقليص أعداد المستحقين للدعم في العام المالي الحالي، والمقدرة بنحو 70 مليون مواطن في منظومة دعم الخبز، و61.8 مليون مواطن للسلع التموينية، من أصل 106 ملايين نسمة.
صحيح أن الحكومة رفعت مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية، من 127.7 مليار جنيه في الموازنة الماضية إلى 134.2 مليارا في موازنة العام الجاري 2024-2025، بزيادة تقدر بـ6.5 مليارات جنيه. غير أن القيمة الحقيقية للدعم تراجعت قياساً بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، المستخدم في استيراد جزء كبير من هذه السلع من الخارج، والذي تغير من نحو 31 جنيهاً إلى 48 جنيهاً للدولار، بانخفاض 35%، في 6 مارس/ آذار الماضي.
السؤال هنا لم يعد ينصب على ماذا تفعل بعثة الصندوق في مصر؟ فالجميع يعلم أن البعثة جاءت للتأكد من تطبيق الحكومة المصرية الالتزامات التي قطعتها على نفسها وتعهدت بها وفي مقدمتها تعويم الجنيه وترك سعر الصرف للعرض والطلب، وزيادة أسعار السلع والخدمات بما فيها مشتقات الوقود والكهرباء والمياه والمواصلات العامة والضرائب والرسوم، والإسراع في بيع أصول الدولة، وخروج المؤسسات السيادية من المشهد الاقتصادي وبيع عدد من الشركات التابعة لها. لكن السؤال الأهم هو عن القرابين التي قدمتها الحكومة للصندوق قبل استقبال البعثة وابلاغها رسالة عملية بالجدية في تنفيذ الالتزامات والتعهدات التي قطعتها على نفسها مقابل الحصول على قرض سخي.
أول تلك القرابين هو التأكيد عمليا على البدء بخصخصة قطاع الصحة في مصر وهو حساس جماهيريا، وبيع المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص والمستثمرين، حيث وافق مجلس النواب على تشريع يفتح الباب لخصخصة المرافق الصحية العامة، من خلال منح القطاع الخاص سلطة إدارتها وتشغيلها، ورفع أسعار الخدمات العلاجية. وخرج علينا رئيس البرلمان حنفي الجبالي ليؤكد أن انتفاع المستثمرين بتلك المرافق لا يخالف الدستور، وأن منح المستثمرين حق الانتفاع بالمرافق العامة ليس ابتداع اليوم أو وليده، وإنما هو حكم درجت عليه الدساتير المصرية، وآخرها الدستور الحالي.
أول تلك القرابين هو التأكيد عمليا على البدء في خصخصة قطاع الصحة الحساس جماهيريا وبيع المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص والمستثمرين
وثاني القرابين في مصر هو إرسال الحكومة رسائل للصندوق بالجدية في بيع أصول الدولة وتسريع هذا الملف، حيث أعلنت أنها تبحث عقد شراكات استثمارية جديدة مع السعودية، ومن بين تلك الشركات ابرام صفقة رأس جميلة على غرار صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، وتم الإعلان عن بيع عدة شركات، كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها.
وهناك قرابين أخرى في مصر منها السماح بتحرك أكبر لسعر الصرف زيادة وهبوطا سواء على مستوى الجنيه أو الدولار، وعدم تبني سياسة التثبيت التي أصر عليها البنك المركزي في سنوات سابقة والتهمت الاحتياطي الأجنبي، واعلان البنك المركزي عن حدوث زيادات متواصلة في الاحتياطي الأجنبي مع وصول الشريحة الثانية من قيمة صفقة رأس الحكمة والبالغة 14 مليار دولار، وتعهد الحكومة بتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وزيادة مستويات الأجور في مواجهة التضخم، والحد من ارتفاع الأسعار، ودعم أصحاب الأعمال على زيادة معدلات التشغيل حفاظاً على حقوق العمال، مع فتح اعتماد إضافي في موازنة السنة المالية 2023-2024 بقيمة 320 مليار جنيه (6.82 مليارات دولار)، لتغطية مخصصات حزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها الحكومة في مارس/ آذار الماضي، والعجز الناتج عن زيادة أسعار الفائدة، وتحرير سعر الصرف، فضلاً عن زيادة سعر توريد القمح، ودعم أسعار المواد البترولية.
وأعادت حكومة مصر ووسائل الإعلام المحسوبة عليها تذكير الخارج والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة بالعبء الذي تتحمله الدولة عن استضافة اللاجئين والبالغ عددهم نحو 9 ملايين، تزيد تكلفة استضافتهم على 10 مليارات دولار سنوياً، والتأكيد على أن هؤلاء يستهلكون مياهاً بواقع 4.5 مليارات متر مكعب في العام، الأمر الذي يستلزم إنشاء محطات تحلية ومعالجة جديدة للمياه بتكلفة كبيرة للغاية، وهذه المحطات تحتاج مليارات الدولارات غير المتوافرة في مصر في ظل أزمة النقد الأجنبي.
صحيح أن الحكومة رفعت مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية، غير أن القيمة الحقيقية للدعم تراجعت قياساً بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار
كما تم ارسال رسالة مهمة للصندوق من قبل الحكومة تتعلق بواحد من أهم الملفات حساسية لدى المصريين وهو رغيف الخبز، حيث تم خفض دعم الخبز والتموين بالدولار في موازنة 2023-2024، من 4.11 مليارات دولار إلى 2.79 مليار، بتراجع 32%، بما يفتح الباب أمام تقليص أعداد المستحقين للدعم في العام المالي الحالي، والمقدرة بنحو 70 مليون مواطن في منظومة دعم الخبز، و61.8 مليون مواطن للسلع التموينية، من أصل 106 ملايين نسمة.
صحيح أن الحكومة رفعت مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية، من 127.7 مليار جنيه في الموازنة الماضية إلى 134.2 مليارا في موازنة العام الجاري 2024-2025، بزيادة تقدر بـ6.5 مليارات جنيه. غير أن القيمة الحقيقية للدعم تراجعت قياساً بسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، المستخدم في استيراد جزء كبير من هذه السلع من الخارج، والذي تغير من نحو 31 جنيهاً إلى 48 جنيهاً للدولار، بانخفاض 35%، في 6 مارس/ آذار الماضي.