يزداد الحصار على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أكثر من سبعة أشهر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي أسبوع واحد، يتعرّض إلى محاصرة من عدة جهات، منها شعبية، ومنها سياسية داخلية متعددة الأطراف، ومنها قضائية دولية.
وترتفع أخيراً وتيرة وحدّة تظاهرات الاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي المطالبة بالتوصل إلى صفقة تبادل فورية مع حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، والتي تنعكس بمحاولة متظاهرين، مع بداية الدورة الصيفية للكنيست (البرلمان) الاثنين الماضي، قطع الطرق المؤدية لمدينة القدس المحتلة وللكنيست، وتظاهر الآلاف حول مقر الأخير. وبالتزامن مع ذلك، كان قسم من عائلات المحتجزين في جلسات لجان في الكنيست، يعرضون موقفهم ويهاجمون الحكومة بحدة.
لا ترمي حركات الاحتجاج للضغط فقط على بنيامين نتنياهو بل أيضاً على الشركاء في حكومة الحرب، الوزيرين بني غانتس وغادي أيزنكوت، للانسحاب من الحكومة وتسريع سقوطها، إذ يتوضّح للمحتجين أن الحكومة ورئيسها يشكلان عائقاً أمام إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة. وبذلك، يتصاعد حصار بنيامين نتنياهو ووزراء الحكومة شعبياً، إلى حد حصول عدة حالات تهجّم على ممثلي الحكومة، الأسبوع الماضي، خلال أيام إحياء إسرائيل لذكرى "قتلى حروب إسرائيل" والاحتفال بـ"يوم الاستقلال" (13 و14 مايو/أيار عشية ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 مايو)، بينما تقلّصت الاحتفالات الرسمية، والتي لم تشهد مشاركة جمهور لتنحصر الاحتفالات في التسجيل المسبق والبث على قنوات التلفزة الإسرائيلية. كل هذا يشكل سوابق لم تشهدها إسرائيل من قبل، وتعكس شدة الاحتقان والتصدع في المجتمع الإسرائيلي.
لم تقتصر محاصرة بنيامين نتنياهو في الأسابيع والأيام الأخيرة على المستوى الجماهيري، بل إنها تشمل حصاراً سياسياً علنياً من قبل وزراء مركزيين في الحكومة، إذ يقرر وزير الأمن يوآف غالانت نقل الخلافات الحادة بينه وبين بنيامين نتنياهو إلى العلن، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بقضايا الأمن القومي. وينعكس ذلك بمطالبة غالانت في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء 16 مايو الحالي، نتنياهو بالتصريح علناً أنه يرفض إقامة حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، والبحث من الآن عن بدائل واقعية لسلطة "حماس" في القطاع. ويوضح غالانت أن بنيامين نتنياهو لا يزال يتهرّب من مناقشة هذا الموضوع في اجتماعات مجلس الحرب لغاية الآن، فيما وفقاً لغالانت فإن سيطرة إسرائيل المدنية والعسكرية في قطاع غزة بعد الحرب، خيار خطير ولا يمكن أن يقبل به.
وبعد أيام على تصريحات غالانت، يأتي تحديد غانتس في مؤتمر صحافي، يوم السبت 18 مايو الحالي، مهلة لنتنياهو حتى 8 يونيو/حزيران، لوضع خطة حول مصير القطاع في اليوم التالي للحرب وإدارته، وإعادة الإسرائيليين إلى شمال إسرائيل، إلى جانب وضع خطة لإحراز تقدّم في التطبيع مع السعودية، وترتيب قضية إعفاء طلاب المعاهد الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية. وفي حال رفض نتنياهو تحقيق تلك المطالب سينسحب حزب "المعسكر الرسمي" من الحكومة، والذي يتزعمه غانتس.
يكشف موقع "واللا" الإسرائيلي، عن رفض نتنياهو لمقترح المسؤول عن ملف الرهائن في الجيش الإسرائيلي، نيتسان ألون، في محاولة لتحقيق اختراق في المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس، وذلك خلال جلسة لكابينت الحرب. ويضيف الموقع، يوم الأحد 19 مايو الحالي، أن الجلسة هذه تعتبر الأولى منذ تسعة أيام، والأولى التي ناقشت "الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات التي تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس". كما يرشح في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وجود وثيقة سرية لنائب رئيس مجلس الأمن القومي، يورام حيمو، يدّعي فيها أن أسلوب إدارة الحرب والاستراتيجية الحالية لن تؤدي إلى القضاء على "حماس" ولا الانتصار في الحرب. في المقابل، فإن هذه الوثيقة مرفوضة من قبل رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هانغبي، وهو معيّن شخصياً من قبل بنيامين نتنياهو ومن أكثر الشخصيات المقربة إليه، باعتبارها لا تمثل موقف المجلس. وتأتي استقالة حمو في 12 مايو الحالي، نتيجة لذلك.
كما يكشف المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، في مقاله يوم الثلاثاء الماضي، عن وجود وجهات نظر مختلفة داخل القيادة العسكرية، بحيث هناك فريق يقترح وقف الحرب فوراً، في الجبهتين الجنوبية والشمالية، والتوجه إلى صفقة تبادل، حتى لو كان يعني ذلك اعترافاً إسرائيلياً بأنها لم تتمكن من القضاء على قدرات "حماس" العسكرية بشكل كامل. في المقابل، هناك قيادات تدفع باتجاه مواصلة الحرب واقتحام رفح، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب أشهراً، من دون أن يضمن ذلك القضاء نهائياً على قدرات "حماس" العسكرية. بذلك تتوسع الهوة بين نتنياهو وقيادات عسكرية حول إدارة الحرب وملف الأسرى وجدوى الحرب، ونجاعتها لغاية الآن في تحقيق أهدافها.
مع تعنّت وإصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب، يتوسّع حصاره إلى حصار دولي، بعد إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الاثنين الماضي، تقديم طلب لإصدار مذكرتَي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بالإضافة إلى عدد من قيادات "حماس". وتُعتبر خطوة خان، وفقاً لتحليلات إسرائيلية، سابقة تاريخية وهزة أرضية لها، سيكون لها تداعيات كبيرة على دولة إسرائيل. ويعني هذا القرار وضع بنيامين نتنياهو وغالانت في قفص الاتهام بارتكاب جرائم حرب، منها استعمال سلاح التجويع ضد سكان غزة. يقابل إعلان خان برفض إسرائيلي مطلق من قبل كافة أطياف المنظومة الحزبية والسياسية، مع اتهامها للمدعي العام وللمحكمة الجنائية الدولية، بمعاداة السامية، ووضع قيادات إسرائيل المنتخبين ديمقراطياً في سلة واحدة مع "قيادات حركة إرهابية"، وفقاً لادعائهم.
وفي السياق، يوضح عدد من المحللين الإسرائيليين عمق المأزق الإسرائيلي النابع من قرار خان، إذ وفقاً لمقالة براك رفيد في موقع واللا، الثلاثاء الماضي، فإن "نتنياهو يعرف تماماً ما هي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ووضع إسرائيل الدبلوماسي، والقيود القانونية وخطورة الإجراءات ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، لكن السياسة التي قادها منذ بداية الحرب لم تأخذ كل ذلك في الاعتبار. وقد تصرف وزراء الحكومة المصغرة بغطرسة وجهل وتجاهل لكل الآراء المهنية، وقادوا إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة". ويضيف أن "طلب المدعي العام إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت هو تتويج لفشل دبلوماسي وسياسي شامل للحكومة الإسرائيلية، منذ الهجوم الإرهابي" الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أما رونين برغمان، فيعتبر في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، أن "الحكومة الإسرائيلية لم تفهم مدى خطورة الوضع المتشكل في المحكمة الجنائية الدولية، وبدلاً من إشراك كبار الحقوقيين والمستشارين القانونيين في تحديد كيفية التعامل مع المحكمة، فضّلوا عزلهم والانشغال في ألاعيب سياسية تافهة".
تعامُل الحكومة الإسرائيلية مع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هو استمرار للغطرسة والاستعلاء الإسرائيليين، وعدم استبطان التحولات الهائلة التي حصلت في الساحة الدولية منذ بداية حرب الإبادة على غزة. تريد إسرائيل أن يرى العالم مشاهد القتل والدمار والتجويع وأن يدعم ذلك، أو على الأقل يغض النظر عنه. ووفقاً لإسرائيل، فإن هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، يتيح لها خرق القانون الدولي والدوس على حقوق البشر وإلغاء كافة المواثيق والمعاهدات الدولية. والأسوأ من ذلك هو قناعة إسرائيل أنها فوق القانون وأنها ما تزال الابن المدلل للغرب.
يبدو أن مواقف نتنياهو تجاه استمرار حرب الإبادة تزداد وضوحاً وتعنتاً مع مرور الوقت. فهو يعود ويشدد على أنه لن يوقف الحرب على قطاع غزة ولا بأي حال من الأحوال، وأنه مستمر في اقتحام رفح، والهجوم على مناطق متعددة في القطاع غزة. ويرفض التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، إلا بشروطه هو. نتنياهو، كما يوضح عدد من المحللين الإسرائيليين، مصرّ على الاستمرار في الحرب لقناعته بذلك، ولأنه فعلاً ينوي احتلال قطاع غزة وربما فرض الإدارة العسكرية الإسرائيلية، وليس فقط لأسباب تتعلق بمصلحته السياسية بإطالة أمد الحرب.
يواجه نتنياهو حالياً تحديات من قبل أعضاء من حزبه "الليكود"، وأعضاء في حكومته من كافة الطيف السياسي. يهدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن أي تراجع في الحرب سيؤدي إلى تفكيك الحكومية. ويوضح غالانت أن نتنياهو لا يتخذ القرارات الصائبة، بل يتهرب من نقاش المواضيع الحساسة، ويعلن أنه سيعارض أي قرار يعني إقامة حكم عسكري إسرائيلي في غزة. ويحدّد غانتس مهلة ثلاثة أسابيع للبث في قضايا استراتيجية لا يمكن أن يحصل حولها تفاهمات ولا اتفاق، ويبقيه نتنياهو رغم ذلك في الحكومة. وتتلاحق تسريبات من قيادات في المؤسسة الأمنية والعسكرية تدّعي أن إسرائيل تتجه نحو فشل استراتيجي في غزة، وأنه من الأفضل وقف فوري للحرب والتوصل إلى صفقة تبادل مع "حماس"، من دون أي رد جدي من قبل نتنياهو. بنيامين نتنياهو محاصر وضعيف داخلياً، وهو الآن أضعف دولياً بسبب الحصار الدولي، واحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
كل هذا يشي بأن تراجع مكانة نتنياهو سيستمر، وأن احتمالات ابتزاز نتنياهو ستزيد، وأن المنظومة السياسية غير مستقرة وكل حزب شريك في التحالف اليميني يتحوّل إلى ملك، وأن خيارات نتنياهو ليست واسعة. بناءً على ما يُنشر من تحليلات في الإعلام الإسرائيلي ومعرفتنا بنتنياهو وتصرفاته منذ السابع من أكتوبر الماضي، وصراعه للبقاء، يمكن التكهن بأن الرجل سيمضي قدماً في حرب الإبادة على غزة، وسيعمّق اجتياح رفح، ويدفع نحو مزيد من التصعيد والقتل والدمار، وربما توسيع جبهات أخرى.
وترتفع أخيراً وتيرة وحدّة تظاهرات الاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي المطالبة بالتوصل إلى صفقة تبادل فورية مع حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، والتي تنعكس بمحاولة متظاهرين، مع بداية الدورة الصيفية للكنيست (البرلمان) الاثنين الماضي، قطع الطرق المؤدية لمدينة القدس المحتلة وللكنيست، وتظاهر الآلاف حول مقر الأخير. وبالتزامن مع ذلك، كان قسم من عائلات المحتجزين في جلسات لجان في الكنيست، يعرضون موقفهم ويهاجمون الحكومة بحدة.
ترمي حركة الاحتجاج في إسرائيل إلى محاصرة نتنياهو وشركائه في الحكومة
لا ترمي حركات الاحتجاج للضغط فقط على بنيامين نتنياهو بل أيضاً على الشركاء في حكومة الحرب، الوزيرين بني غانتس وغادي أيزنكوت، للانسحاب من الحكومة وتسريع سقوطها، إذ يتوضّح للمحتجين أن الحكومة ورئيسها يشكلان عائقاً أمام إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة. وبذلك، يتصاعد حصار بنيامين نتنياهو ووزراء الحكومة شعبياً، إلى حد حصول عدة حالات تهجّم على ممثلي الحكومة، الأسبوع الماضي، خلال أيام إحياء إسرائيل لذكرى "قتلى حروب إسرائيل" والاحتفال بـ"يوم الاستقلال" (13 و14 مايو/أيار عشية ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 مايو)، بينما تقلّصت الاحتفالات الرسمية، والتي لم تشهد مشاركة جمهور لتنحصر الاحتفالات في التسجيل المسبق والبث على قنوات التلفزة الإسرائيلية. كل هذا يشكل سوابق لم تشهدها إسرائيل من قبل، وتعكس شدة الاحتقان والتصدع في المجتمع الإسرائيلي.
حصار سياسي وأمني
لم تقتصر محاصرة بنيامين نتنياهو في الأسابيع والأيام الأخيرة على المستوى الجماهيري، بل إنها تشمل حصاراً سياسياً علنياً من قبل وزراء مركزيين في الحكومة، إذ يقرر وزير الأمن يوآف غالانت نقل الخلافات الحادة بينه وبين بنيامين نتنياهو إلى العلن، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بقضايا الأمن القومي. وينعكس ذلك بمطالبة غالانت في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء 16 مايو الحالي، نتنياهو بالتصريح علناً أنه يرفض إقامة حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، والبحث من الآن عن بدائل واقعية لسلطة "حماس" في القطاع. ويوضح غالانت أن بنيامين نتنياهو لا يزال يتهرّب من مناقشة هذا الموضوع في اجتماعات مجلس الحرب لغاية الآن، فيما وفقاً لغالانت فإن سيطرة إسرائيل المدنية والعسكرية في قطاع غزة بعد الحرب، خيار خطير ولا يمكن أن يقبل به.
وبعد أيام على تصريحات غالانت، يأتي تحديد غانتس في مؤتمر صحافي، يوم السبت 18 مايو الحالي، مهلة لنتنياهو حتى 8 يونيو/حزيران، لوضع خطة حول مصير القطاع في اليوم التالي للحرب وإدارته، وإعادة الإسرائيليين إلى شمال إسرائيل، إلى جانب وضع خطة لإحراز تقدّم في التطبيع مع السعودية، وترتيب قضية إعفاء طلاب المعاهد الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية. وفي حال رفض نتنياهو تحقيق تلك المطالب سينسحب حزب "المعسكر الرسمي" من الحكومة، والذي يتزعمه غانتس.
يكشف موقع "واللا" الإسرائيلي، عن رفض نتنياهو لمقترح المسؤول عن ملف الرهائن في الجيش الإسرائيلي، نيتسان ألون، في محاولة لتحقيق اختراق في المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس، وذلك خلال جلسة لكابينت الحرب. ويضيف الموقع، يوم الأحد 19 مايو الحالي، أن الجلسة هذه تعتبر الأولى منذ تسعة أيام، والأولى التي ناقشت "الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات التي تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس". كما يرشح في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وجود وثيقة سرية لنائب رئيس مجلس الأمن القومي، يورام حيمو، يدّعي فيها أن أسلوب إدارة الحرب والاستراتيجية الحالية لن تؤدي إلى القضاء على "حماس" ولا الانتصار في الحرب. في المقابل، فإن هذه الوثيقة مرفوضة من قبل رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هانغبي، وهو معيّن شخصياً من قبل بنيامين نتنياهو ومن أكثر الشخصيات المقربة إليه، باعتبارها لا تمثل موقف المجلس. وتأتي استقالة حمو في 12 مايو الحالي، نتيجة لذلك.
كما يكشف المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، في مقاله يوم الثلاثاء الماضي، عن وجود وجهات نظر مختلفة داخل القيادة العسكرية، بحيث هناك فريق يقترح وقف الحرب فوراً، في الجبهتين الجنوبية والشمالية، والتوجه إلى صفقة تبادل، حتى لو كان يعني ذلك اعترافاً إسرائيلياً بأنها لم تتمكن من القضاء على قدرات "حماس" العسكرية بشكل كامل. في المقابل، هناك قيادات تدفع باتجاه مواصلة الحرب واقتحام رفح، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب أشهراً، من دون أن يضمن ذلك القضاء نهائياً على قدرات "حماس" العسكرية. بذلك تتوسع الهوة بين نتنياهو وقيادات عسكرية حول إدارة الحرب وملف الأسرى وجدوى الحرب، ونجاعتها لغاية الآن في تحقيق أهدافها.
قرار "الجنائية الدولية" ستكون له تداعيات كبيرة على إسرائيل
حصار دولي
مع تعنّت وإصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب، يتوسّع حصاره إلى حصار دولي، بعد إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الاثنين الماضي، تقديم طلب لإصدار مذكرتَي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بالإضافة إلى عدد من قيادات "حماس". وتُعتبر خطوة خان، وفقاً لتحليلات إسرائيلية، سابقة تاريخية وهزة أرضية لها، سيكون لها تداعيات كبيرة على دولة إسرائيل. ويعني هذا القرار وضع بنيامين نتنياهو وغالانت في قفص الاتهام بارتكاب جرائم حرب، منها استعمال سلاح التجويع ضد سكان غزة. يقابل إعلان خان برفض إسرائيلي مطلق من قبل كافة أطياف المنظومة الحزبية والسياسية، مع اتهامها للمدعي العام وللمحكمة الجنائية الدولية، بمعاداة السامية، ووضع قيادات إسرائيل المنتخبين ديمقراطياً في سلة واحدة مع "قيادات حركة إرهابية"، وفقاً لادعائهم.
وفي السياق، يوضح عدد من المحللين الإسرائيليين عمق المأزق الإسرائيلي النابع من قرار خان، إذ وفقاً لمقالة براك رفيد في موقع واللا، الثلاثاء الماضي، فإن "نتنياهو يعرف تماماً ما هي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ووضع إسرائيل الدبلوماسي، والقيود القانونية وخطورة الإجراءات ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، لكن السياسة التي قادها منذ بداية الحرب لم تأخذ كل ذلك في الاعتبار. وقد تصرف وزراء الحكومة المصغرة بغطرسة وجهل وتجاهل لكل الآراء المهنية، وقادوا إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة". ويضيف أن "طلب المدعي العام إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت هو تتويج لفشل دبلوماسي وسياسي شامل للحكومة الإسرائيلية، منذ الهجوم الإرهابي" الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أما رونين برغمان، فيعتبر في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، أن "الحكومة الإسرائيلية لم تفهم مدى خطورة الوضع المتشكل في المحكمة الجنائية الدولية، وبدلاً من إشراك كبار الحقوقيين والمستشارين القانونيين في تحديد كيفية التعامل مع المحكمة، فضّلوا عزلهم والانشغال في ألاعيب سياسية تافهة".
تعامُل الحكومة الإسرائيلية مع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هو استمرار للغطرسة والاستعلاء الإسرائيليين، وعدم استبطان التحولات الهائلة التي حصلت في الساحة الدولية منذ بداية حرب الإبادة على غزة. تريد إسرائيل أن يرى العالم مشاهد القتل والدمار والتجويع وأن يدعم ذلك، أو على الأقل يغض النظر عنه. ووفقاً لإسرائيل، فإن هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، يتيح لها خرق القانون الدولي والدوس على حقوق البشر وإلغاء كافة المواثيق والمعاهدات الدولية. والأسوأ من ذلك هو قناعة إسرائيل أنها فوق القانون وأنها ما تزال الابن المدلل للغرب.
يبدو أن مواقف نتنياهو تجاه استمرار حرب الإبادة تزداد وضوحاً وتعنتاً مع مرور الوقت. فهو يعود ويشدد على أنه لن يوقف الحرب على قطاع غزة ولا بأي حال من الأحوال، وأنه مستمر في اقتحام رفح، والهجوم على مناطق متعددة في القطاع غزة. ويرفض التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى، إلا بشروطه هو. نتنياهو، كما يوضح عدد من المحللين الإسرائيليين، مصرّ على الاستمرار في الحرب لقناعته بذلك، ولأنه فعلاً ينوي احتلال قطاع غزة وربما فرض الإدارة العسكرية الإسرائيلية، وليس فقط لأسباب تتعلق بمصلحته السياسية بإطالة أمد الحرب.
يواجه نتنياهو حالياً تحديات من قبل أعضاء من حزبه "الليكود"، وأعضاء في حكومته من كافة الطيف السياسي. يهدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن أي تراجع في الحرب سيؤدي إلى تفكيك الحكومية. ويوضح غالانت أن نتنياهو لا يتخذ القرارات الصائبة، بل يتهرب من نقاش المواضيع الحساسة، ويعلن أنه سيعارض أي قرار يعني إقامة حكم عسكري إسرائيلي في غزة. ويحدّد غانتس مهلة ثلاثة أسابيع للبث في قضايا استراتيجية لا يمكن أن يحصل حولها تفاهمات ولا اتفاق، ويبقيه نتنياهو رغم ذلك في الحكومة. وتتلاحق تسريبات من قيادات في المؤسسة الأمنية والعسكرية تدّعي أن إسرائيل تتجه نحو فشل استراتيجي في غزة، وأنه من الأفضل وقف فوري للحرب والتوصل إلى صفقة تبادل مع "حماس"، من دون أي رد جدي من قبل نتنياهو. بنيامين نتنياهو محاصر وضعيف داخلياً، وهو الآن أضعف دولياً بسبب الحصار الدولي، واحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
يمكن التكهن بأن نتنياهو سيمضي قدماً في حرب الإبادة على غزة
كل هذا يشي بأن تراجع مكانة نتنياهو سيستمر، وأن احتمالات ابتزاز نتنياهو ستزيد، وأن المنظومة السياسية غير مستقرة وكل حزب شريك في التحالف اليميني يتحوّل إلى ملك، وأن خيارات نتنياهو ليست واسعة. بناءً على ما يُنشر من تحليلات في الإعلام الإسرائيلي ومعرفتنا بنتنياهو وتصرفاته منذ السابع من أكتوبر الماضي، وصراعه للبقاء، يمكن التكهن بأن الرجل سيمضي قدماً في حرب الإبادة على غزة، وسيعمّق اجتياح رفح، ويدفع نحو مزيد من التصعيد والقتل والدمار، وربما توسيع جبهات أخرى.