بنت إسرائيل قدرتها العسكرية الهائلة على أساس مخاطرَ قادمةٍ من الدول المعادية المحيطة بإسرائيل، عبر دوائر متتابعة، ولا يقتصر هذا المحيط على دول الطوق، بل يصل إلى حدود باكستان شرقاً، وإلى حدود المغرب غرباً. لذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، عندما كان رئيساً للأركان: "إسرائيل أقوى قوّة عسكرية في دائرة نصف قطرها 1500 كم، ومركزها القدس". وفي هذا السياق، يأتي الكلام الإسرائيلي المُتكرّر عن خطر نووي إيراني، وتخطيط إسرائيل لتوجيه ضربة لهذا المشروع، ما يؤشّر إلى البنية العسكرية الإسرائيلية وقدرتها على القيام بمهامّ بعيدة عن الأراضي الإسرائيلية، بصرف النظر عن قيامها بالخطوة أو عدمه، فهي قامت بضربة من هذا النوع، وإن على مسافة أقرب، عندما قصفت مفاعل تمّوز النووي العراقي في العام 1981، رغم أنّ الضربة للمفاعل العراقي كانت أقلَّ تعقيداً من ضرب المشروع النووي الإيراني اليوم، فالتطوّر التكنولوجي، اليوم، أكبر من ذلك الوقت.
يملك الجيش الإسرائيلي قوّة نيران هائلة، وأسلحة متنوّعة وعالية الحداثة، في حال المواجهة مع أيّ قوة عسكرية تقليدية، لأيّ دولة من دول المنطقة، فإنّ المواجهة محسومة سلفاً، هذا كلّه بشأن المقاييس التقليدية للنصر والهزيمة بالمعنى العسكري في ميدان الحرب، التقني، والتسليحي. لكنّ إسرائيل، الجاهزة لمواجهة الجيوش، لم تواجه فعلياً في العقود الأخيرة سوى تهديدات عسكرية منخفضة المستوى، ومن قوى عسكرية غير تقليدية. فالحروب المتكرّرة على قطاع غزّة لا تتناسب مع القوّة العسكرية الإسرائيلية المبنية بطموحات قتالية أعلى بكثير من قوات عسكرية متواضعة غير مرئية في ميدان المعركة، ما يجعل هذا النوع من القتال عبئاً على البنية العسكرية الإسرائيلية، التي لا ترى عدوّها أمامها لإيقاع الهزيمة به، وإنهاء المعركة، التي يجب أن تُحسم في أسرع وقت، حسب العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
في حربها العدوانية الأخيرة على قطاع غزّة، استخدمت إسرائيل كلّ الوسائل القتالية في ترسانتها المُعدّة لمواجهة جيوش كبيرة، ولا نبالغ إن قلنا إنّ إسرائيل استخدمت كلّ ترسانتها، باستثناء السلاح النووي. فقدرة غزّة العسكرية المتواضعة، التي لا تساوي واحداً من ألف من القوّة العسكرية الإسرائيلية، لم تحيّد جزءاً من الآلة العسكرية الإسرائيلية، بل اعتبرتها إسرائيل حرب استقلالها الثانية، واعتبرت أن حركة حماس تشكّل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، ما جعلها تُخرِجُ كلّ آلة قتلها لتفعل فعلها في القطاع. تستخدم إسرائيل الطائرات المُقاتلة ومدفعية الميدان ودبّابات ميركافا والمُسيّرات، وغيرها كثيراً من الأسلحة، لمواجهة مجموعات قتالية محدودة وفقيرة التسليح. بمعنى آخر، تستخدم إسرائيل في العدوان على قطاع غزّة الوسائل القتالية نفسها التي أعدّتها لمواجهة جيوش كاملة العتاد والتسليح. في الوقت الذي يشكّل قطاع غزّة شريطاً ضيّقاً مكشوفاً على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، مساحته 362 كيلومتراً مربّعاً، أطول مسافة فيه 40 كيلومتراً، وأعرض مسافة هي سبعة كيلومترات، وهو مكان في غاية الازدحام، إذ يبلغ عدد سكّانه مليونين ونصف مليون نسمة، ولا مكان مجاور للغزّيين يلجأون إليه من وحشية العدوان الإسرائيلي عليهم.
إنّ مواجهةً بهذه الشروط، واستخدام قوّة النار الإسرائيلية الهائلة لاقتلاع قوّة عسكرية متواضعة من وسط السكّان، أقلّ ما يقال عنهما إنّهما جريمة حرب، لأنّها فعلياً تستهدف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ، بذريعة أنّ المقاتلين يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية، وحتّى لو حدث ذلك، فليس هناك قانون في العالم يسمح في هذه الحالة باستهداف آلاف مؤلّفة من المدنيين العزّل تحت هذه الذريعة الواهية. فالمواجهة في الحروب يجب أن تكون متناسبة، حتّى في حالة الدفاع عن النفس، يجب استخدام أدوات ردّ تتناسب مع حالة الدفاع عن النفس، وأيّ تجاوز هو جريمة حرب. لذلك، أصدقاء إسرائيل ومُؤيّدوها وداعموها في العدوان ينتقدون إسرائيل من موقع "عدم معقولية عدد الضحايا المدنيين"، يريدون أعداد ضحايا أقلّ، وليس وقف العدوان الوحشي المستمرّ على قطاع غزّة منذ أكثر من سبعة أشهر، الذي حصد أكثر من 35 ألف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى، وحوّل كلّ أهالي غزّة، تقريباً، مشرّدين تهدّدهم المجاعة لمنع إسرائيل المساعدات الغذائية عنهم، وتحويل عشرات آلاف المباني إلى أنقاض بفعل القصف التدميري الممنهج للقطاع، وجعله مكاناً غير صالح للعيش.
الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزّة هي ممارسة السياسة الفوقية المعتمدة من الدول الاستعمارية القديمة تجاه سكّان المُستعمرات المحلّيين، الذين تراهم أقلّ أهمية وقيمة من مواطنيها، ويجب إيقاع أقصى الألم بالفلسطينيين من أجل إذعانهم للإرادة الإسرائيلية التي تلغيهم. وهذه السياسة ذاتها التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في زمن الحرب على فيتنام، وعبّر عنها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي ذهب إلى أنّ القصف المستمرّ للشمال الفيتنامي "كان يهدف إلى إيقاع أقصى الألم من أجل جلبهم الى طاولة المفاوضات" مذعنين، لكنّ تلك السياسة فشلت كما يقرّ كيسنجر نفسه. ومع الفارق بين التجربتين الفلسطينية والفيتنامية، فإنّ السياسة الإسرائيلية المُقتبسة من التجربة الأميركية لن تنجح في تركيع الفلسطينيين، لأنّها لا تقدّم لهم حلاً سوى الإذلال.
القدرات القتالية الإسرائيلية آخر وسيلة تصلح لإنجاز الأهداف الإسرائيلية، فالعدوانية الإسرائيلية الشرسة تجاه القطاع خصوصاً، وتجاه الفلسطينيين عموماً، رغم الاستنتاج الإسرائيلي المتكرّر منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى أنّ "لا حلول عسكرية" مع الفلسطينيين، فإنّ إسرائيل تعود مرّة بعد أخرى لاستخدام القوّة العسكرية، لأنّها لا تريد أن تذهب إلى حلّ سياسي مع الفلسطينيين يقرُّ بحقوقهم الوطنية المشروعة. لذلك، فإنّ العدوانية الإسرائيلية ستتكرّر لحلّ مشكلاتها، المعروف مسبقاً أنّها لا تُحلّ بالنيران، متجاهلةً الدرس الأساس، لتعود مراراً إلى الفكرة الاستعمارية؛ إيقاع مزيد من الألم في الضحايا لجرّهم مذعنين لإملاء الشروط عليهم. تستطيع إسرائيل تدمير قطاع غزّة، وارتكاب أسوأ جرائم الحرب، لكنّ هذا لن يخلّصها من الفلسطينيين. إسرائيل تعرف الدرس وتعرف أنّه فاشل، لكن ليس لديها خيار آخر غيره، ما دام الحلّ السياسي يُرعبها أكثر من الحلّ العسكري الفاشل.
يملك الجيش الإسرائيلي قوّة نيران هائلة، وأسلحة متنوّعة وعالية الحداثة، في حال المواجهة مع أيّ قوة عسكرية تقليدية، لأيّ دولة من دول المنطقة، فإنّ المواجهة محسومة سلفاً، هذا كلّه بشأن المقاييس التقليدية للنصر والهزيمة بالمعنى العسكري في ميدان الحرب، التقني، والتسليحي. لكنّ إسرائيل، الجاهزة لمواجهة الجيوش، لم تواجه فعلياً في العقود الأخيرة سوى تهديدات عسكرية منخفضة المستوى، ومن قوى عسكرية غير تقليدية. فالحروب المتكرّرة على قطاع غزّة لا تتناسب مع القوّة العسكرية الإسرائيلية المبنية بطموحات قتالية أعلى بكثير من قوات عسكرية متواضعة غير مرئية في ميدان المعركة، ما يجعل هذا النوع من القتال عبئاً على البنية العسكرية الإسرائيلية، التي لا ترى عدوّها أمامها لإيقاع الهزيمة به، وإنهاء المعركة، التي يجب أن تُحسم في أسرع وقت، حسب العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزّة هي ممارسة السياسة الفوقية المعتمدة من الدول الاستعمارية القديمة تجاه سكّان المُستعمرات المحلّيين، الذين تراهم أقلّ أهمية وقيمة من مواطنيها
في حربها العدوانية الأخيرة على قطاع غزّة، استخدمت إسرائيل كلّ الوسائل القتالية في ترسانتها المُعدّة لمواجهة جيوش كبيرة، ولا نبالغ إن قلنا إنّ إسرائيل استخدمت كلّ ترسانتها، باستثناء السلاح النووي. فقدرة غزّة العسكرية المتواضعة، التي لا تساوي واحداً من ألف من القوّة العسكرية الإسرائيلية، لم تحيّد جزءاً من الآلة العسكرية الإسرائيلية، بل اعتبرتها إسرائيل حرب استقلالها الثانية، واعتبرت أن حركة حماس تشكّل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، ما جعلها تُخرِجُ كلّ آلة قتلها لتفعل فعلها في القطاع. تستخدم إسرائيل الطائرات المُقاتلة ومدفعية الميدان ودبّابات ميركافا والمُسيّرات، وغيرها كثيراً من الأسلحة، لمواجهة مجموعات قتالية محدودة وفقيرة التسليح. بمعنى آخر، تستخدم إسرائيل في العدوان على قطاع غزّة الوسائل القتالية نفسها التي أعدّتها لمواجهة جيوش كاملة العتاد والتسليح. في الوقت الذي يشكّل قطاع غزّة شريطاً ضيّقاً مكشوفاً على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، مساحته 362 كيلومتراً مربّعاً، أطول مسافة فيه 40 كيلومتراً، وأعرض مسافة هي سبعة كيلومترات، وهو مكان في غاية الازدحام، إذ يبلغ عدد سكّانه مليونين ونصف مليون نسمة، ولا مكان مجاور للغزّيين يلجأون إليه من وحشية العدوان الإسرائيلي عليهم.
إنّ مواجهةً بهذه الشروط، واستخدام قوّة النار الإسرائيلية الهائلة لاقتلاع قوّة عسكرية متواضعة من وسط السكّان، أقلّ ما يقال عنهما إنّهما جريمة حرب، لأنّها فعلياً تستهدف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ، بذريعة أنّ المقاتلين يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية، وحتّى لو حدث ذلك، فليس هناك قانون في العالم يسمح في هذه الحالة باستهداف آلاف مؤلّفة من المدنيين العزّل تحت هذه الذريعة الواهية. فالمواجهة في الحروب يجب أن تكون متناسبة، حتّى في حالة الدفاع عن النفس، يجب استخدام أدوات ردّ تتناسب مع حالة الدفاع عن النفس، وأيّ تجاوز هو جريمة حرب. لذلك، أصدقاء إسرائيل ومُؤيّدوها وداعموها في العدوان ينتقدون إسرائيل من موقع "عدم معقولية عدد الضحايا المدنيين"، يريدون أعداد ضحايا أقلّ، وليس وقف العدوان الوحشي المستمرّ على قطاع غزّة منذ أكثر من سبعة أشهر، الذي حصد أكثر من 35 ألف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى، وحوّل كلّ أهالي غزّة، تقريباً، مشرّدين تهدّدهم المجاعة لمنع إسرائيل المساعدات الغذائية عنهم، وتحويل عشرات آلاف المباني إلى أنقاض بفعل القصف التدميري الممنهج للقطاع، وجعله مكاناً غير صالح للعيش.
إسرائيل تعرف الدرس وتعرف أنّه فاشل، لكن ليس لديها خيار آخر غيره، ما دام الحلّ السياسي يُرعبها أكثر من الحلّ العسكري الفاشل
الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزّة هي ممارسة السياسة الفوقية المعتمدة من الدول الاستعمارية القديمة تجاه سكّان المُستعمرات المحلّيين، الذين تراهم أقلّ أهمية وقيمة من مواطنيها، ويجب إيقاع أقصى الألم بالفلسطينيين من أجل إذعانهم للإرادة الإسرائيلية التي تلغيهم. وهذه السياسة ذاتها التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في زمن الحرب على فيتنام، وعبّر عنها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي ذهب إلى أنّ القصف المستمرّ للشمال الفيتنامي "كان يهدف إلى إيقاع أقصى الألم من أجل جلبهم الى طاولة المفاوضات" مذعنين، لكنّ تلك السياسة فشلت كما يقرّ كيسنجر نفسه. ومع الفارق بين التجربتين الفلسطينية والفيتنامية، فإنّ السياسة الإسرائيلية المُقتبسة من التجربة الأميركية لن تنجح في تركيع الفلسطينيين، لأنّها لا تقدّم لهم حلاً سوى الإذلال.
القدرات القتالية الإسرائيلية آخر وسيلة تصلح لإنجاز الأهداف الإسرائيلية، فالعدوانية الإسرائيلية الشرسة تجاه القطاع خصوصاً، وتجاه الفلسطينيين عموماً، رغم الاستنتاج الإسرائيلي المتكرّر منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى أنّ "لا حلول عسكرية" مع الفلسطينيين، فإنّ إسرائيل تعود مرّة بعد أخرى لاستخدام القوّة العسكرية، لأنّها لا تريد أن تذهب إلى حلّ سياسي مع الفلسطينيين يقرُّ بحقوقهم الوطنية المشروعة. لذلك، فإنّ العدوانية الإسرائيلية ستتكرّر لحلّ مشكلاتها، المعروف مسبقاً أنّها لا تُحلّ بالنيران، متجاهلةً الدرس الأساس، لتعود مراراً إلى الفكرة الاستعمارية؛ إيقاع مزيد من الألم في الضحايا لجرّهم مذعنين لإملاء الشروط عليهم. تستطيع إسرائيل تدمير قطاع غزّة، وارتكاب أسوأ جرائم الحرب، لكنّ هذا لن يخلّصها من الفلسطينيين. إسرائيل تعرف الدرس وتعرف أنّه فاشل، لكن ليس لديها خيار آخر غيره، ما دام الحلّ السياسي يُرعبها أكثر من الحلّ العسكري الفاشل.