الحراك الطلابي العالمي وعولمة مفهوم النكبة

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع العربي الجديد
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
طباعة الموضوع
  • بادئ الموضوع
اكتسبت ذكرى نكبة فلسطين أهمّيةً استثنائيةً هذا العام، بسبب تزامنها مع مرور أكثر من سبعة أشهرٍ على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة، التي حرّكت فظاعاتها وتداعياتها موجةً من التضامن العالمي مع معاناة الشعب الفلسطيني، خصوصًا في أوساط الطلاب الجامعيين في دول الغرب، الذين نجحوا في ربط قضية غزّة بقضايا محليةٍ، مثل التمييز العنصري، وقضايا أكبر تعكس المبادئ الإنسانية العالمية، مثل حرية التعبير، والعدالة، وحقوق الأطفال والنساء، والمناخ.. إلخ، لكي تتشكّل مجموعاتٍ من المبادرات والمضامين واللافتات والهتافات العالمية المتشابهة، التي تدلّ على بروز "تحولٍ ثقافيٍ عامٍ" في وجهات النظر تجاه فلسطين والفلسطينيين في الغرب الناطق باللغة الإنكليزية، بعد أن تصاعدت، في أنحاء الجنوب العالمي، وكذا في مدن الغرب، رمزية قضية فلسطين، التي تمثّل تجسيدًا للتمرّد ضدّ النفاق الغربي، وضدّ نظام "ما بعد استعماري ظالم".

في سياق فهم هذه التطورات المهمّة في البيئة المفاهيمية لقضية فلسطين، يبدو نجاح الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة، لا سيّما بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في خلخلة الصورة النمطية الاختزالية للفلسطيني الجديد، الذي اجتهدت الدوائر الإسرائيلية الفكرية، والاستشراقية والبحثية في حصر الشعب الفلسطيني في إطارها على مدار العقود الماضية، عبر تقسيمه إلى مجموعاتٍ: (العرب في إسرائيل، الفلسطينيون في "حماستان" (غزة)، الفلسطينيون في "فتحلاند" (الضفة الغربية)، اللاجئون الفلسطينيون في الشتات؛ في الدول العربية أو في المهجر).

تجري على قدمٍ وساق، عملية "عولمة" قضية فلسطين في كثيرٍ من مؤسسات الأمم المتّحدة

واستطرادًا، يبدو أن فهم موجة الحراك الطلابي العالمي الداعم لغزّة، يستلزم تحليل تفاعل ثلاثة عوامل أدت إلى "عولمة" مفهوم النكبة؛ أوّلها تطور العامل التحرري الذاتي الفلسطيني، وإرادة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، عبر عمليةٍ تراكميةٍ طويلة الأمد. وثانيها تجدّد صور التعبير عن مفهوم المقاومة لدى الأجيال الفلسطينية المختلفة، ولا سيّما جيل الشباب، وامتلاكه أدوات التقنية الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإبداع في تجديد فعاليات إحياء ذكرى نكبة فلسطين، وكذا تخصيص أيّامٍ للإضراب (مثلما جسده الإضراب الشامل في فلسطين التاريخية 18/5/2021، إبان عملية سيف القدس). وثالثها التحول الواضح في أوساط الرأي العام العالمي لمصلحة فلسطين، خصوصًا في الغرب، نتيجة صعود أجيالٍ جديدةٍ أكثر أخلاقيةً، وأقلّ أيديولوجيةً في تعاملها مع قضايا العالم، وزيادة المبادرات الشبابية في العالم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ما يعني أن اللوبي الصهيوني وحلفاءه في الولايات المتّحدة ربما خسروا جيل الشباب، ولم تنجح محاولاتهم في تخويفه ودفعه إلى الاختيار بين مستقبله التعليمي والوظيفي، وقناعاته الأخلاقية وضميره الإنساني؛ إذ بات كثيرٌ من الشباب التقدميين في الحزب الديمقراطي الأميركي، ينظرون إلى الاحتجاجات ضدّ إسرائيل، بوصفها جزءًا من النضال من أجل العدالة الاجتماعية، الأمر الذي سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى ميلاد "منظومة مفاهيم جديدةٍ" تكون أقرب إلى فهّم "السردية الفلسطينية"، وربّما دعمها، والابتعاد تدريجيًا عن "التبني الأعمى" للسردية الصهيونية.


على التوازي مع هذه التغيرات على الصعيد غير الرسمي، تجري على قدمٍ وساق، عملية "عولمة" قضية فلسطين في كثيرٍ من مؤسسات الأمم المتّحدة (الجمعية العامة، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية.. إلخ)، على الرغم من استمرار واشنطن في عرقلة دور مجلس الأمن الدولي في وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة، كما تجلى في استخدام "الفيتو"، في 18/4/2024، ضدّ مشروع قرارٍ يوصي بقبول فلسطين دولةً ذات عضويةٍ كاملةٍ في الأمم المتّحدة.

يبقى القول إن "عولمة" رمزية الخيمة الفلسطينية، واعتصام الطلاب الأميركيين في "خيمٍ"، يكشف أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة قد صنعت تحولًا مهمًّا في الرأي العام العالمي، وفي طبيعة النقاشات الوطنية في دول الغرب، حول مفاهيم العدالة والحرية والحقوق، على نحوٍ يضغط على صانع القرار الغربي ليصبح "أقلّ" انحيازًا لإسرائيل، على الرغم من تصاعد "الاستقطابات العالمية"، واستمرار صعود التيارات الشعبوية اليمينية في العالم.

GettyImages-2152603456.jpg
 
  • Google Adsense
    إعلانات Google