يسيطر الغموض على موقف الحكومة السودانية من مقترحات سعودية أميركية لاستئناف مفاوضات جدة مع قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام. وتصاعدت خلال الأيام الماضية المطالب بضرورة عودة طرفي الحرب إلى مدينة جدة السعودية لاستئناف المفاوضات بينهما.
وكان الطرفان قد عقدا جولة مفاوضات بدأت في مايو/ أيار 2023 وتوجت بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين والخروج من الأماكن المدنية كافة، فيما فشل الطرفان في جولات لاحقة، آخرها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في التوصل إلى أية تفاهمات جديدة أو التزام ما وقعا عليه، ليستمر القتال الضاري بين الجيش والدعم ويتوسع ليشمل بعد ذلك ولايات جديدة ويرفع عدد القتلى من المدنيين إلى أكثر من 15 ألف وأعداد النازحين واللاجئين إلى أكثر من 8 ملايين شخص.
ورفض الجيش في الأشهر السابقة العودة إلى طاولة التفاوض ما لم ينفذ الدعم السريع نصوص اتفاق العام الماضي، خصوصاً بند الخروج من منازل المواطنين والتجمع في معسكرات خاصة، لكن الجيش نفسه دخل في مفاوضات سرية مع الدعم السريع في العاصمة البحرينية المنامة مطلع العام الجاري، وتوصلا إلى اتفاق، لكنه لم يوقع بصورته النهائية.
وفي الأيام الماضية نشطت حركة الوسيطين السعودي والأميركي، وتجلى ذلك الحراك باتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، الجنرال عبد الفتاح البرهان. وطالب بلينكن بضرورة إنهاء الصراع في السودان بشكل عاجل، كذلك ناقش مع البرهان استئناف مفاوضات جدة وضرورة حماية المدنيين ونزع فتيل الأعمال العدائية في الفاشر بشمال دارفور، وبحثا أيضاً سبل إتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط المواجهة لتخفيف معاناة الشعب السوداني.
ولم يصدر بيان عن الجيش بخصوص استئناف التفاوض، واكتفى مجلس السيادة بإصدار بيان عن اتصال البرهان وبلينكن وذكر فيه ما دار بين الطرفين، لكن البيان السوداني لم يؤكد موافقة الحكومة السودانية على العودة إلى مفاوضات جدة، بعكس ما بثته وسائل إعلام عن الموافقة وتحديد الأول من شهر يونيو/ حزيران المقبل موعداً لاستئناف جولات التفاوض.
غير أن نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار اير، استنكر دعوة بلينكن للعودة إلى منبر جدة للتفاوض جازماً بعدم الاستجابة للمطالب الأميركية، ولم يكتف بالرفض فقط بل شنّ هجوماً واتهم الولايات المتحدة والإمارات وأوروبا بالمسؤولية عما يجري بالسودان وأنّ "الحرب الجارية الآن بذورها وجذورها سودانية، زُرعت في أرض أميركية وقُدّمت في الاتحاد الأوروبي ووُجّهت بأيدٍ عاملة من دولة الإمارات العربية نحو السودان"، مؤكداً أن القوات المسلحة هي القوة الوحيدة المؤهلة إلى تحقيق السلام والاستقرار بالبلاد والعبور بها إلى بر الأمان وتهيئة المناخ لمخاطبة القضايا السودانية المؤجلة، مقللاً في تصريحات أخرى من أهمية العودة إلى منبر جدة، ومبيناً أن هنالك اتفاقاً تم ولم يتم تنفيذه حتى الآن، فما الدوافع الجديدة حتى نعود إلى منبر جدة.
وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع زيارة يقوم بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، للسودان، حيث أكد بعد لقائه بالبرهان أن المهمة التي كُلف بها من قبل الأمين العام تتمثل في تشجيع السودانيين على الوصول إلى حل سلمي للأزمة في السودان، وأن الأمم المتحدة تتشاور مع كل الأطراف من أجل تقريب وجهات النظر والوصول إلى حل سلمي. وأضاف لعمامرة أن اللقاء تطرق أيضاً إلى المشاورات الجارية لاستئناف مسارات التفاوض، معرباً عن أمله في المساهمة الإيجابية من كل الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان وقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في ربوع البلاد كافة.
وقال محيي الدين جمعة، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، وهو تحالف قريب من الحكومة والجيش، لـ"العربي الجديد" إن تحالفهم يؤيد ويساند دعوة وزير الخارجية الأميركي بالعودة إلى طاولة التفاوض ويؤيد في ذات الوقت تحفظ الحكومة عليها لأنها دعوة لم تراعِ سيادة واستقلال السودان.
وأضاف جمعة أنه "سبق للجيش ومليشيا الدعم السريع توقيعهما على اتفاق العام الماضي في جدة لكن الدعم لم يلتزم به حتى اللحظة، ولو التزم بالخروج من منازل المواطنين وفتح الممرات الإنسانية لتطور الاتفاق ليشمل بناء الثقة ومعالجة أزمة الحرب ورد الاعتبار للشعب السوداني، الذي تعرض لانتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان وإبادة جماعية وجرائم حرب، ولا سيما في مدينة الجنينة (غرب) ومناطق أخرى".
وأكد جمعة أن الدعوة الأميركية إلى استئناف التفاوض في جدة لا تحفظ عليها إلا في طريقتها غير المقبولة "بدت كأنها إملاء على الحكومة لتنفيذ أجندة أميركية من واشنطن التي دعمت من قبل مواقف المليشيا في المحافل الإقليمية والدولية" على حد قوله، مؤكداً أن ذلك لو عُرض بطريقة صحيحة لقبلت الحكومة ولحدث اتفاق يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة، وصولاً إلى الانتخابات.
ويؤيد ذلك محمد أبوزيد كروم، رئيس منبر السلام العادل، الذي يرى في تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة موقفاً طبيعياً لجهة أن نتائج مفاوضات جدة قبل عام من الآن التي وقعت عليها الحكومة والمليشيا لم تُنفذ ولم تضغط أميركا على المليشيا لتنفيذ الاتفاق ولو أرادت لفعلت، لذلك كان حديث الوزير الأميركي مستفزاً للحكومة كما تم التعبير عنه. وأضاف كروم لـ"العربي الجديد" أن "التدخل الأميركي في هذا الوقت جاء بناءً على تقديرات الميدان التي هي في صالح الجيش وهو تدخل تقف خلفه الإمارات، وأشار إلى أن الحكومة السودانية بهذا الرد رفعت سقفها إذا ما عاد التفاوض وستفرض شروطها المتعلقة بتنفيذ المتفق عليه، وفرض فكرة الدولة الواحدة والجيش الواحد والعدالة للمظلومين والمحاكمات".
من جهته، يقول عمار حمودة، القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، لـ"العربي الجديد" إن "الجيش عليه أن يتحمل مسؤولياته في إنهاء معاناة السودانيين عبر أيسر الطرق وأخفها على المواطنين"، مبيناً أن الحديث بسلبية عن إغلاق باب التفاوض فيه تجاهل لمعاناة الشعب.
من جهته، رأى الناشط السياسي حاتم الياس في حديث لـ"العربي الجديد" أن الموقف المتذبذب للجيش من مفاوضات جدة له عدة أسباب، منها أن "الإسلاميين أو تياراً من الاسلاميين يناور باسم الجيش حتى يكسب مساحة أكبر في مستقبل أي تفاوض، وهو يعلم أن السعودية نفسها التي تستضيف الحوار لديها موقف من الاسلاميين وحكومتهم"، مضيفاً أن "قيادة الجيش الحالية تنقصها الشجاعة في فضّ الشراكة مع الإسلاميين، حيث يبدو الرابط رابطاً عضوياً عميقاً يصعب الفكاك منه، بجانب أنه أصبح من الملموس أن كابينة القيادة منذ الثورة وحتى الآن تفتقد الخبرة السياسية والقدرة على صناعة القرار من جميع القيادات بما فيها البرهان نفسه، حسب تقديره".
وتابع: "العامل الخارجي أيضاً حاضر في تأثير بعض دول الإقليم على موقف الجيش، وأعني مصر بالطبع التي لها سهم بجانب الإسلاميين في استخدام الجيش وقادته في مناورات المكاسب الإقليمية، فحرب السودان ليست حرباً داخلية فقط، فهي جزء من مشهد الصراع الإقليمي".
وكان الطرفان قد عقدا جولة مفاوضات بدأت في مايو/ أيار 2023 وتوجت بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين والخروج من الأماكن المدنية كافة، فيما فشل الطرفان في جولات لاحقة، آخرها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في التوصل إلى أية تفاهمات جديدة أو التزام ما وقعا عليه، ليستمر القتال الضاري بين الجيش والدعم ويتوسع ليشمل بعد ذلك ولايات جديدة ويرفع عدد القتلى من المدنيين إلى أكثر من 15 ألف وأعداد النازحين واللاجئين إلى أكثر من 8 ملايين شخص.
ورفض الجيش في الأشهر السابقة العودة إلى طاولة التفاوض ما لم ينفذ الدعم السريع نصوص اتفاق العام الماضي، خصوصاً بند الخروج من منازل المواطنين والتجمع في معسكرات خاصة، لكن الجيش نفسه دخل في مفاوضات سرية مع الدعم السريع في العاصمة البحرينية المنامة مطلع العام الجاري، وتوصلا إلى اتفاق، لكنه لم يوقع بصورته النهائية.
وفي الأيام الماضية نشطت حركة الوسيطين السعودي والأميركي، وتجلى ذلك الحراك باتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، الجنرال عبد الفتاح البرهان. وطالب بلينكن بضرورة إنهاء الصراع في السودان بشكل عاجل، كذلك ناقش مع البرهان استئناف مفاوضات جدة وضرورة حماية المدنيين ونزع فتيل الأعمال العدائية في الفاشر بشمال دارفور، وبحثا أيضاً سبل إتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط المواجهة لتخفيف معاناة الشعب السوداني.
ولم يصدر بيان عن الجيش بخصوص استئناف التفاوض، واكتفى مجلس السيادة بإصدار بيان عن اتصال البرهان وبلينكن وذكر فيه ما دار بين الطرفين، لكن البيان السوداني لم يؤكد موافقة الحكومة السودانية على العودة إلى مفاوضات جدة، بعكس ما بثته وسائل إعلام عن الموافقة وتحديد الأول من شهر يونيو/ حزيران المقبل موعداً لاستئناف جولات التفاوض.
غير أن نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار اير، استنكر دعوة بلينكن للعودة إلى منبر جدة للتفاوض جازماً بعدم الاستجابة للمطالب الأميركية، ولم يكتف بالرفض فقط بل شنّ هجوماً واتهم الولايات المتحدة والإمارات وأوروبا بالمسؤولية عما يجري بالسودان وأنّ "الحرب الجارية الآن بذورها وجذورها سودانية، زُرعت في أرض أميركية وقُدّمت في الاتحاد الأوروبي ووُجّهت بأيدٍ عاملة من دولة الإمارات العربية نحو السودان"، مؤكداً أن القوات المسلحة هي القوة الوحيدة المؤهلة إلى تحقيق السلام والاستقرار بالبلاد والعبور بها إلى بر الأمان وتهيئة المناخ لمخاطبة القضايا السودانية المؤجلة، مقللاً في تصريحات أخرى من أهمية العودة إلى منبر جدة، ومبيناً أن هنالك اتفاقاً تم ولم يتم تنفيذه حتى الآن، فما الدوافع الجديدة حتى نعود إلى منبر جدة.
وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع زيارة يقوم بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، للسودان، حيث أكد بعد لقائه بالبرهان أن المهمة التي كُلف بها من قبل الأمين العام تتمثل في تشجيع السودانيين على الوصول إلى حل سلمي للأزمة في السودان، وأن الأمم المتحدة تتشاور مع كل الأطراف من أجل تقريب وجهات النظر والوصول إلى حل سلمي. وأضاف لعمامرة أن اللقاء تطرق أيضاً إلى المشاورات الجارية لاستئناف مسارات التفاوض، معرباً عن أمله في المساهمة الإيجابية من كل الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان وقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في ربوع البلاد كافة.
موقف متذبذب من مفاوضات جدة
وقال محيي الدين جمعة، الناطق الرسمي باسم الكتلة الديمقراطية، وهو تحالف قريب من الحكومة والجيش، لـ"العربي الجديد" إن تحالفهم يؤيد ويساند دعوة وزير الخارجية الأميركي بالعودة إلى طاولة التفاوض ويؤيد في ذات الوقت تحفظ الحكومة عليها لأنها دعوة لم تراعِ سيادة واستقلال السودان.
وأضاف جمعة أنه "سبق للجيش ومليشيا الدعم السريع توقيعهما على اتفاق العام الماضي في جدة لكن الدعم لم يلتزم به حتى اللحظة، ولو التزم بالخروج من منازل المواطنين وفتح الممرات الإنسانية لتطور الاتفاق ليشمل بناء الثقة ومعالجة أزمة الحرب ورد الاعتبار للشعب السوداني، الذي تعرض لانتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان وإبادة جماعية وجرائم حرب، ولا سيما في مدينة الجنينة (غرب) ومناطق أخرى".
وأكد جمعة أن الدعوة الأميركية إلى استئناف التفاوض في جدة لا تحفظ عليها إلا في طريقتها غير المقبولة "بدت كأنها إملاء على الحكومة لتنفيذ أجندة أميركية من واشنطن التي دعمت من قبل مواقف المليشيا في المحافل الإقليمية والدولية" على حد قوله، مؤكداً أن ذلك لو عُرض بطريقة صحيحة لقبلت الحكومة ولحدث اتفاق يؤسس لمرحلة انتقالية جديدة، وصولاً إلى الانتخابات.
ويؤيد ذلك محمد أبوزيد كروم، رئيس منبر السلام العادل، الذي يرى في تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة موقفاً طبيعياً لجهة أن نتائج مفاوضات جدة قبل عام من الآن التي وقعت عليها الحكومة والمليشيا لم تُنفذ ولم تضغط أميركا على المليشيا لتنفيذ الاتفاق ولو أرادت لفعلت، لذلك كان حديث الوزير الأميركي مستفزاً للحكومة كما تم التعبير عنه. وأضاف كروم لـ"العربي الجديد" أن "التدخل الأميركي في هذا الوقت جاء بناءً على تقديرات الميدان التي هي في صالح الجيش وهو تدخل تقف خلفه الإمارات، وأشار إلى أن الحكومة السودانية بهذا الرد رفعت سقفها إذا ما عاد التفاوض وستفرض شروطها المتعلقة بتنفيذ المتفق عليه، وفرض فكرة الدولة الواحدة والجيش الواحد والعدالة للمظلومين والمحاكمات".
من جهته، يقول عمار حمودة، القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، لـ"العربي الجديد" إن "الجيش عليه أن يتحمل مسؤولياته في إنهاء معاناة السودانيين عبر أيسر الطرق وأخفها على المواطنين"، مبيناً أن الحديث بسلبية عن إغلاق باب التفاوض فيه تجاهل لمعاناة الشعب.
من جهته، رأى الناشط السياسي حاتم الياس في حديث لـ"العربي الجديد" أن الموقف المتذبذب للجيش من مفاوضات جدة له عدة أسباب، منها أن "الإسلاميين أو تياراً من الاسلاميين يناور باسم الجيش حتى يكسب مساحة أكبر في مستقبل أي تفاوض، وهو يعلم أن السعودية نفسها التي تستضيف الحوار لديها موقف من الاسلاميين وحكومتهم"، مضيفاً أن "قيادة الجيش الحالية تنقصها الشجاعة في فضّ الشراكة مع الإسلاميين، حيث يبدو الرابط رابطاً عضوياً عميقاً يصعب الفكاك منه، بجانب أنه أصبح من الملموس أن كابينة القيادة منذ الثورة وحتى الآن تفتقد الخبرة السياسية والقدرة على صناعة القرار من جميع القيادات بما فيها البرهان نفسه، حسب تقديره".
وتابع: "العامل الخارجي أيضاً حاضر في تأثير بعض دول الإقليم على موقف الجيش، وأعني مصر بالطبع التي لها سهم بجانب الإسلاميين في استخدام الجيش وقادته في مناورات المكاسب الإقليمية، فحرب السودان ليست حرباً داخلية فقط، فهي جزء من مشهد الصراع الإقليمي".