الدعم الحكومي عاجز عن لجم التضخم في الكويت

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع helper
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
طباعة الموضوع
  • بادئ الموضوع
  • المشرف
تواجه الكويت ارتفاعاً ملحوظاً في معدل التضخم، بما أثار قلق المواطنين الذين يعانون من تراكم سنوات من آثار التضخم دون غطاء مالي، مع استمرار اعتماد البلاد على الاستيراد في توفير أغلب السلع، ما يجعل الاقتصاد الكويتي عرضة للتقلبات في الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل الإمداد. فما حقيقة التضخم في الكويت؟

وفقاً لبيانات الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية، الصادرة في 19 مايو/ أيار، فإن نسبة التضخم في الكويت تجاوزت 3%، متأثرة بارتفاع أسعار المأكولات والطاقة، ما يضع ضغوطاً إضافية على الاقتصاد المحلي. ولذا فإن التأخر في إجراء الإصلاحات الهيكلية الضرورية يعقد الوضع الاقتصادي في الكويت ويؤثر سلباً على قدرة البلد الخليجي على جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة، بحسب إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد".

التضخم المتراكم في الكويت​


وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، أن استيراد الكويت لغالبية المنتجات الاستهلاكية من دول أخرى يعني أن التضخم فيها هو نفس التضخم العالمي، وبنسبة تصل إلى 3%، مشيراً إلى أن هذا المستوى من التضخم موجود في الولايات المتحدة وبريطانيا وفي دول أخرى في أوروبا، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".

ويقدر رمضان نسبة التضخم في الكويت بأنها منخفضة رغم ارتفاعها عن المعدل الصحي العالمي (2%) قياساً إلى نسب التضخم السائدة عالمياً، لا سيما في الدول المتقدمة صناعياً، والتي تستورد منها الكويت أغلب منتجاتها الاستهلاكية.


وعلى هذا الأساس، يعتبر رمضان أن نسبة التضخم في الكويت "لا تمثل مشكلة من الأساس"، لافتاً إلى أن الحكومة لم تفرض أي رسوم إضافية، كما لم ترفع أسعار أي منتجات أساسية، وبالتالي فإن نسبة التضخم هي ذاتها نسبة التضخم بدول توريد السلع.

وإزاء ذلك، يؤكد رمضان أن آثار التضخم في الكويت طبيعية، لكن التعامل معها لم يتم بالشكل الأمثل على مدى السنوات الماضية، إذ لم تجر المراجعة اللازمة لغلاء المعيشة وإقرار بدائل للمواطنين منذ أكثر من 12 عاماً، إذ لا زيادات ملموسة في رواتبهم، ما يمثل إشكالية في التعامل مع التضخم الحالي.

أما بالنسبة للمقيمين في الكويت، فيرى رمضان أنهم أقل تأثراً بنسبة التضخم، باعتبار أن البلدان الأكثر تصديراً للعمالة، مثل الهند ومصر، تعاني من نسب تضخم أكبر، وبالتالي فإن المقيمين لديهم مرونة أكبر في التعاطي مع زيادة نسبة التضخم في البلد الخليجي.

وعليه، فإن حالة الاستياء من تصاعد غلاء المعيشة قائمة لدى المواطنين الكويتيين وليس الوافدين، بحسب رمضان، الذي يقيّم الإجراءات الحكومية لمعالجة تلك الحالة بأنها "ينقصها تعويض المواطنين عن التضخم المتراكم" خلال السنوات الماضية. أما الإجراءات الحكومية الأخرى، فيراها رمضان سليمة، إذ لا رفع لأسعار الطاقة أو الوقود أو الماء، كما أن العديد من السلع الأساسية لا تزال مدعومة من الدولة، وبالتالي لم ترتفع أسعارها.

تكاليف الطاقة في الكويت​


وفي السياق، يشير الاستشاري الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن أسباب التضخم في الكويت تعود بالأساس إلى الاعتماد على استيراد أغلب السلع والمنتجات، ما ينتج عنه اضطرابات في حال تعرض سلاسل الإمداد العالمية لأي تأثير سلبي، الأمر الذي يرفع تكلفة الاستيراد، وبالتالي ترتفع الأسعار بنسبة أكبر من نظيرتها في الدول القادرة على التصنيع المحلي.


ويضيف متولي أن ارتفاع تكاليف الطاقة بعد وصول سعر برميل النفط إلى ما فوق 80 دولاراً، إضافة إلى أزمة إمدادات الغاز الطبيعي بسبب استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما يرفع تكلفة الإنتاج والشحن حتى في المصانع القليلة الموجودة داخل الكويت.

ويلفت متولي إلى أن أسعار المأكولات في الكويت ارتفعت بمعدل كبير في الأشهر الخمسة الماضية، وتحديداً من 5.1% إلى 5.8%، وهي المحرك الأساسي لنسبة التضخم المسجلة في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وتمثل نسبة الزيادة الأعلى للتضخم في البلد الخليجي بعد الإسكان، الذي يمثل 33% من سلة أسعار المستهلكين.

الأكثر تضرراً من التضخم في الكويت​


وعن الفئات الأكثر تأثراً بنسبة التضخم، يشير متولي إلى فئتي العاطلين عن العمل والعاملين في القطاع الخاص بأجور ضعيفة، لافتاً إلى أن كثيراً من الكويتيين يفضلون العمل بالقطاع العام لضمان دخول مادية مستقرة بشكل أفضل.

كما أن الشركات ضمن الفئات المتأثرة بنسبة التضخم، خاصة تلك الصغيرة والمتوسطة منها، بحسب متولي، موضحاً أن تكاليف الإنتاج أصبحت تمثل عبئاً أكبر على هذه الشركات في الفترة الحرجة التي يمر بها العالم، ما يجعل كثيراً منها أمام فرص ربح ضعيفة أو معدومة، على عكس الشركات الكبيرة ذات القدرة على تحمل الارتفاعات في تكاليف الإنتاج، وبالتالي فهي أكثر مرونة في التعامل مع حالة التضخم العالمية.

ويشير متولي، في هذا الصدد، إلى أن عدم رفع رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص بالكويت بنفس وتيرة التضخم يعني أن الدخل الحقيقي للمواطنين يقل، ما يؤثر عليهم سلباً كشريحة مستهلكين.


لكن واقع تأثير التضخم في الكويت لا يصل إلى مستويات كبيرة، بحسب متولي، الذي عزا ذلك إلى أن أغلب من يعملون في القطاع العام يحصلون على رواتب جيدة إلى حد كبير، كما أن أغلب السياسيين في مجلس الأمة الكويتي يصرون على أولوية المرتبات على حساب الاستثمار والمشروعات والتطوير والتنمية، ما يؤدي إلى تدهور أكبر لقدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الصمود بوجه تحديات التضخم.

الإجراءات الحكومية للجم التضخم في الكويت​


ويرى متولي أن الإجراءات الحكومية لمعالجة التضخم في الكويت تمثل مشكلة كبيرة، في ظل استمرار دعم الحكومة الكبير لكثير من السلع، ما أدى إلى تأزم استدامة الوضع المالي للحكومة منذ عام 2015، عندما سجل البلد الخليجي عجزاً بالموازنة لأول مرة، وظل هذا العجز قائماً ومتزايداً إلى اليوم.

لكن رغم ذلك، لم يسفر الدعم الحكومي عن ثبات دائم في الأسعار، بل ارتفعت الأسعار نسبياً، تأثراً بضعف القطاع الصناعي، فضلاً عن عدم وجود منافسة للشركات الكبيرة، في ظل أزمة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي غياب البدائل في الأسواق، ما يجعل من الدعم الحكومي كابحاً للتضخم فقط، وليس مسيطراً عليه.

وهنا يلفت متولي إلى أن الدعم الحكومي يمثل عاملاً إيجابياً للفئات الاجتماعية المتأثرة بارتفاع التضخم، لكنه عامل سلبي بالنسبة لمجمل المؤشرات الاقتصادية الأخرى، إذ لا تقل فرص تمويل الاستثمارات الجديدة من جانب الحكومة.

ومع أحادية الاعتماد الحكومي على النفط كمورد مالي رئيسي، تبرز الحاجة إلى تسريع عملية التنويع الاقتصادي في الكويت، بحسب متولي، الذي يؤكد ضرورة تركيز الجهود الحكومية على دعم هذه العملية من أجل مردود اقتصادي إيجابي بدلاً من سياسة الدعم القائمة حالياً، لافتاً إلى أن تكرار حل مجلس الأمة الكويتي لا يصب في اتجاه جذب رؤوس الاستثمار إلى البلد الخليجي، وبالتالي لا يساعد الحكومة على توجيه دعمها بالاتجاه الصحيح، فـ"الأزمة الاقتصادية في الكويت ذات جذور سياسية"، حسبما يرى متولي، لافتاً إلى أن الحكومة لن تستطيع الإنجاز في ظل الإصرار على سياسة الدعم القائمة، والتي تسببت في العجز عن إكمال عديد من المشروعات ضمن رؤية الكويت 2035 منذ نحو عشر سنوات وحتى اليوم.

ماذا يتوقع صندوق النقد الدولي لاقتصاد الكويت في 2024؟​


وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن عن توقعات، في 10 مايو/ أيار، بانكماش اقتصاد الكويت بنسبة 1.4% في العام الجاري (2024)، على الرغم من توقعه نمو القطاع غير النفطي بنسبة 2%.

وألقى صندوق النقد باللوم على تأزم المشهد السياسي الكويتي بين الحكومة ومجلس الأمة في تأخير الإصلاحات المالية والهيكلية الضرورية، واعتبر أن استمرار التأخر في إجراء الإصلاحات المالية والهيكلية "قد يؤدي إلى تقويض ثقة المستثمرين". كذلك حذر الصندوق من أن تأخر إجراء الإصلاحات المالية والهيكلية يعيق التقدم نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية، مشدداً على ضرورة "التعجيل بإقرار قانون الدين العام الجديد لضمان تمويل المالية العامة بصورة منظمة مع تشجيع تطور سوق الدين المحلي".

580015148.jpeg
 
  • Google Adsense
    إعلانات Google