على حافة رخامية لامعة لسور مصرف كبير، لا يتناسب حجمه ولا شكله الخارجي ولا حتى أضواؤه مع حالة البؤس العامة، تجلس هناك مع أطفالها الخمسة، أصغرهم نحيل جدا ومتكوّر وكأنّه يبدو غير قادر على فرد جسده براحة، والأطفال الأربعة الآخرون متقاربون في العمر وفي الحجم.
يبدو غياب الفارق الكبير في أعمارهم جلياً، أكادُ أجزم بأن الفارق لا يتعدى السنة والنصف أو السنتين على أبعد تقدير! ينتظرون السرفيس أو الحافلة المعدنية الصغيرة البائسة لتنقلهم في طريق العودة إلى بيتهم، بات طبيعياً أن تكون كل الحافلات متهالكة جداً، حتى السائقون يبدو حالهم في غاية البؤس، تعب وملامح شقاء، غضب وملل وعصبية ونزق بالغ في التعامل مع الركاب وحتى مع الباب ومع السائقين الآخرين، وفي زحمة كل هذا الخراب ينبغي على المرأة استخدام تلك الحافلة والصعود إليها بما يشبه العملية الصعبة جداً، مجّرد تأمين مكان فارغ والجلوس في الحافلات يعتبر نصراً عظيماً، فكيف ستنجح، وبالأحرى كيف ستتمكن تلك الأم من الصعود برفقة خمسة هياكل هشة وصغيرة، يغلبها النعاس والتعب، وحضن الأم صغير ومتعب ولا يقوى على احتوائهم جميعاً في لحظة تتطلب شجاعة بالغة وقوة بدنية مميزة.
وصل الفرَج على جناح حافلة مهترئة، دفعت الأم بطفليها الصغيرين وطلبت من ابنتها الكبرى أن تسرع الخُطا مع أخيها الذي يليها بالسن، احتاج الوقت دقيقتين وربما أقل، لكن السائق كان مستعجلاً وغاضباً، صرخ الركّاب وصرخَت الأم متوسّلة من أجل القليل من الوقت الإضافي والرحمة، تمت عملية ارتياد الحافلة بسلام مشحون بالقلق والخوف. لكن المشكلة الفعلية كانت في ترتيب الأطفال الأربعة في مقعد واحدٍ ملاصقين لمقعد أمهم التي تحتضن أخاهم الرضيع.
بدا الوضع وكأنه عملية تقنية دقيقة، لتركيب قطع البازل المتنافرة ووضعها في مكانها الصحيح! ناء جسد الأم برضيعها وبالطفل الأكبر وهو قاعد على ركبتها، صرخت بحزم طالبة من أبنائها السكوت وترك دفة القيادة لها وحدها، وجهت الأمر للابنة الكبرى التي جلست وفي حضنها شقيقتها الصغرى، لكن ثمة شخص فائض على المكان وعلى الأم تدبير وضعه بسرعة وحسم! كانت الطفلة الثالثة هي الفائضة حيث لا مكان لها بكل معنى الكلمة، سحبتها أمها بعصبية وعنف بالغين وكأنها مجرد كيس بلاستيكي بلا قلب أو وجه، ثبتتها على الأرض وقوفاً وأدارت ظهرها إلى النافذة كي توفر أمكنة خالية لأقدام أربعة أشخاص، إضافة إلى قدمي الطفلة التي اشتكت وبكت ثم غفت وهي واقفة، ويدها اليمنى على كتف أمها، ويدها الأخرى على ظهر المقعد الأمامي.
ما الذي تريده الأمهات من الإنجاب المتكرر؟ هل يمارسن أدوارهن البيولوجية من أجل استمرار الحياة وكأنها مهمتهن وحدهن دونا عن باقي سكان الأرض؟ أم إنهن ينفذن رغبات الزوج وأهله والمجتمع المحيط؟ هل ترغب النساء فعلاً بأعداد كبيرة من الأبناء والبنات، في ظل أزمات متلاحقة وكثيرة، أولاها غياب شروط الصحة الإنجابية وسطوة الفقر والدخل المنخفض وغياب مساحات الأمان والعيش الآدمي للأطفال وذويهم؟ ربما يملكن الإجابات الكافية والوافية! لكن لا أحد يهتم بذلك، ولا حتى بأحوال النساء أو الأطفال، لا السؤال ذو قيمة ولا الأجوبة كذلك. تبدو القصة دائرة مفرغة ومفزعة في دوامة من العنف اليومي السائر في ركاب حياة مثقلة بالقهر والعنف.
أجساد النساء هنا بوابات للتعب، ليست مجرد أرحام للتوالد وإنجاب المزيد من الأطفال، تبدو أجساد النساء مطرحاً ثابتاً ومعرّفاً لتعميم العنف وتوسيع مجالات ممارسته وآذاه. ويتحول الإنجاب المفرط إلى سوط يسوم أجساد النساء الأذى والظلم جراء عنفه البالغ، وإن جرى تغليفه بعاطفة الأمومة وضرورة الحفاظ على النوع البشري.
يبدو غياب الفارق الكبير في أعمارهم جلياً، أكادُ أجزم بأن الفارق لا يتعدى السنة والنصف أو السنتين على أبعد تقدير! ينتظرون السرفيس أو الحافلة المعدنية الصغيرة البائسة لتنقلهم في طريق العودة إلى بيتهم، بات طبيعياً أن تكون كل الحافلات متهالكة جداً، حتى السائقون يبدو حالهم في غاية البؤس، تعب وملامح شقاء، غضب وملل وعصبية ونزق بالغ في التعامل مع الركاب وحتى مع الباب ومع السائقين الآخرين، وفي زحمة كل هذا الخراب ينبغي على المرأة استخدام تلك الحافلة والصعود إليها بما يشبه العملية الصعبة جداً، مجّرد تأمين مكان فارغ والجلوس في الحافلات يعتبر نصراً عظيماً، فكيف ستنجح، وبالأحرى كيف ستتمكن تلك الأم من الصعود برفقة خمسة هياكل هشة وصغيرة، يغلبها النعاس والتعب، وحضن الأم صغير ومتعب ولا يقوى على احتوائهم جميعاً في لحظة تتطلب شجاعة بالغة وقوة بدنية مميزة.
وصل الفرَج على جناح حافلة مهترئة، دفعت الأم بطفليها الصغيرين وطلبت من ابنتها الكبرى أن تسرع الخُطا مع أخيها الذي يليها بالسن، احتاج الوقت دقيقتين وربما أقل، لكن السائق كان مستعجلاً وغاضباً، صرخ الركّاب وصرخَت الأم متوسّلة من أجل القليل من الوقت الإضافي والرحمة، تمت عملية ارتياد الحافلة بسلام مشحون بالقلق والخوف. لكن المشكلة الفعلية كانت في ترتيب الأطفال الأربعة في مقعد واحدٍ ملاصقين لمقعد أمهم التي تحتضن أخاهم الرضيع.
ما الذي تريده الأمهات من الإنجاب المتكرر؟ هل يمارسن أدوارهن البيولوجية من أجل استمرار الحياة وكأنها مهمتهن وحدهن دونا عن باقي سكان الأرض؟
بدا الوضع وكأنه عملية تقنية دقيقة، لتركيب قطع البازل المتنافرة ووضعها في مكانها الصحيح! ناء جسد الأم برضيعها وبالطفل الأكبر وهو قاعد على ركبتها، صرخت بحزم طالبة من أبنائها السكوت وترك دفة القيادة لها وحدها، وجهت الأمر للابنة الكبرى التي جلست وفي حضنها شقيقتها الصغرى، لكن ثمة شخص فائض على المكان وعلى الأم تدبير وضعه بسرعة وحسم! كانت الطفلة الثالثة هي الفائضة حيث لا مكان لها بكل معنى الكلمة، سحبتها أمها بعصبية وعنف بالغين وكأنها مجرد كيس بلاستيكي بلا قلب أو وجه، ثبتتها على الأرض وقوفاً وأدارت ظهرها إلى النافذة كي توفر أمكنة خالية لأقدام أربعة أشخاص، إضافة إلى قدمي الطفلة التي اشتكت وبكت ثم غفت وهي واقفة، ويدها اليمنى على كتف أمها، ويدها الأخرى على ظهر المقعد الأمامي.
ما الذي تريده الأمهات من الإنجاب المتكرر؟ هل يمارسن أدوارهن البيولوجية من أجل استمرار الحياة وكأنها مهمتهن وحدهن دونا عن باقي سكان الأرض؟ أم إنهن ينفذن رغبات الزوج وأهله والمجتمع المحيط؟ هل ترغب النساء فعلاً بأعداد كبيرة من الأبناء والبنات، في ظل أزمات متلاحقة وكثيرة، أولاها غياب شروط الصحة الإنجابية وسطوة الفقر والدخل المنخفض وغياب مساحات الأمان والعيش الآدمي للأطفال وذويهم؟ ربما يملكن الإجابات الكافية والوافية! لكن لا أحد يهتم بذلك، ولا حتى بأحوال النساء أو الأطفال، لا السؤال ذو قيمة ولا الأجوبة كذلك. تبدو القصة دائرة مفرغة ومفزعة في دوامة من العنف اليومي السائر في ركاب حياة مثقلة بالقهر والعنف.
أجساد النساء هنا بوابات للتعب، ليست مجرد أرحام للتوالد وإنجاب المزيد من الأطفال، تبدو أجساد النساء مطرحاً ثابتاً ومعرّفاً لتعميم العنف وتوسيع مجالات ممارسته وآذاه. ويتحول الإنجاب المفرط إلى سوط يسوم أجساد النساء الأذى والظلم جراء عنفه البالغ، وإن جرى تغليفه بعاطفة الأمومة وضرورة الحفاظ على النوع البشري.