وضعت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني نفسها على قوائم مرشحي حزبها "إخوة إيطاليا" لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في السادس من يونيو/حزيران المقبل (من 6 إلى 9 يونيو)، على أمل تعزيز النتيجة التي تمنحها استطلاعات الرأي للحزب، وعينها على "لعب دور أكبر وأكثر تأثيراً في البرلمان الأوروبي"، كما صرّحت بنفسها مع بداية الحملات الانتخابية. وتركّز عين أخرى لميلوني، على رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. فالأخيرة باتت تعرف الدور الحاسم الذي يلعبه معسكر اليمين المتشدد في مسألة توازن القوى وحظوظها في التمديد لنفسها على رأس المفوضية الأوروبية، على الرغم من كل البيانات السياسية والحزبية من معسكر يسار الوسط الأوروبي، بأنه سيحاصر في البرلمان الأوروبي المقبل أي تعاون مع اليمين المتشدد.
على المستوى الشخصي، كثّفت جورجيا ميلوني جهودها لجعل الذاكرة الأوروبية أقل حدّة حين يُستدعى ماضيها. فـ"سيدة روما" اليوم انتمت منذ فترة المراهقة إلى "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، وذلك في العام في عام 1992 (ميلوني من مواليد 1977)، وهي الحركة التي تأسست في عام 1946 من قبل مجموعة من الإيطاليين آمنوا بأن إنهاء الفاشية في بلادهم أمر غير مقبول، وأرادوا مواصلة نهج الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني (1883 – 1945) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وإلى تلك الحركة، تعود جذور حزب "إخوة إيطاليا". في عام 1995، صرّحت الشابة جورجيا ميلوني بما تؤمن به حقيقة، بقولها: "أعتقد أن موسوليني كان سياسياً جيداً. كل ما فعله، فعله من أجل إيطاليا. ولم يكن هناك سياسي مثله خلال الـ50 سنة الماضية".
نضوج ميلوني، بل انتهازيتها السياسية، جعلتها تغيّر لهجتها، بعدما انتُخبت لعضوية البرلمان الإيطالي في عام 2006 تحت الاسم الجديد للحزب، "التحالف الوطني"، فاعتبرت أن موسوليني ارتكب مجرد "أخطاء". شاركت ميلوني في عام 2012 في تشكيل حزبها "إخوة إيطاليا"، لكن ليس من دون أن تذكّر مؤيديها بالجذور الفاشية للحزب، من خلال مشاركة أحد قادة الحركة الفاشية العنفية إغنازي لاروسا، مع آخرين ممن قادوا العنف الفاشي في المؤتمر التأسيسي للحزب في ميلانو. كذلك ضبطت الصحافة الإيطالية مرشح "إخوة إيطاليا" إلى منصب عمدة روما، إنريكو ميتشيتي، يقترح في عام 2020 استعادة التحية الرومانية (التي استخدمتها الفاشية) باعتبارها ستخفف من جائحة كورونا. بل إن حفيد بينيتو موسوليني، كايو موسوليني، انضم في 2014 إلى صفوف الحزب، وسرعان ما أصبح قيادياً فيه، وترشح عنه في انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2019. حملات كايو موسوليني الانتخابية تركزت على المدن والمباني المرتبطة بعصر جدّه الفاشي، مطلقا شعارات من مثل "الأمة والأسرة المسيحية".
وفي كتاب "أحفاد موسوليني: الفاشية في إيطاليا الحديثة"، ذكر ديفيد برودر، أن الفاشية عالقة في عقل ميلوني، مشدّداً على أنها "أشادت مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة بنموذجها السياسي الحديث، جورجيو ألميرانتي، الذي كان في حكومة موسوليني، وبعد الحرب (1946) أسّس الحزب الفاشي "الحركة الاجتماعية الإيطالية". عملياً اليوم، تقدم جورجيا ميلوني نموذجاً عن تفكير بقية الجناح الأوروبي اليميني والشعبوي المتشددين في الساحة الأوروبية، لناحية أن ارتفاع شعبيتها سيكون على محك ما ستحققه في البرلمان الأوروبي المقبل.
وما من شك أن لميلوني أهمية على مستوى توحيد صفوف وجهود المعسكر في البرلمان الأوروبي المقبل. ووضع اسمها على لوائح المرشحين لا يعني أنها ستغادر منصبها في روما، بل هو تكتيك سياسي انتخابي كان انتهجه أيضاً رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني لجذب المزيد من الأصوات للائحته، وهو ما يفعله في سياق أوروبي أوسع عددٌ من قادة الأحزاب وأبرز الشخصيات ذات الشعبية الكبيرة في بلدانها.
مع ذلك، فإن عين جورجيا ميلوني على مناصب قيادية أوروبية ترسل إشارات أشبه بمقايضة التصويت لمصلحة هذا أو ذاك من الراغبين في مواصلة مسيرتهم القيادية في بروكسل، مقابل الحصول على نفوذ وتأثير في القرارات التي تتبناها المفوضية والمجلس الوزاري الأوروبيان، وقبل هذا وذاك على مستوى التشريع البرلماني، من خلال استغلال التقدم في صفوف المعسكر اليميني المتشدد (المحتمل) لجذب المزيد من الأحزاب والجماعات التي ترى نفسها جزءاً من هذا التيار، مثل "ديمقراطيي الدنمارك"، الذي تأسّس على يد وزيرة الهجرة السابقة والمتشددة إنغا ستويبرغ، التي انشقت عن حزب فينسترا (يمين وسط) على خلفية محاكمتها في قضايا تتعلق بتوجيهات اعتبرت غير قانونية بشأن فصل أزواج سوريين من القاصرين.
وما يعنيه أن تتصدر جورجيا ميلوني مشهد تقريب وتوحيد كتلة المحافظين الإصلاحيين في البرلمان الأوروبي مع "الهوية والديمقراطية" (كتلة سياسية في البرلمان الأوروبي تتبنى اتجاهاً سياسياً يمينياً إلى يميني متطرف وتشكلت بعد انتخابات 2019 الأوروبية)، وكتلة أحزاب الشعب الأوروبي (أحزاب ديمقراطية مسيحية)، ليس فقط أن حزبها شبه الفاشي، الذي كان يجري التهرب من مجرد التقاط صورة مع أحد قادته أو المشاركة في فعالية من فعالياته قبل عام 2012، يصبح جزءاً عادياً من مشهد سياسي محلي وأوروبي، بل تحدٍّ جاد للأحزاب التقليدية في يمين ويسار الوسط، بما في ذلك الاجتماعيين الديمقراطيين والأحزاب الليبرالية الأوروبية، في بحثها عن أغلبية برلمانية أوروبية لتمرير القوانين والتشريعات المشتركة، ومن خلال أطراف تقف أصلاً بالمرصاد لمفهوم وحدة أوروبا ومركزية قراراتها وسياساتها في بروكسل.
قدّمت جورجيا ميلوني في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو نهاية إبريل/نيسان الماضي، صورة واضحة عمّا تريده بقولها: "نريد تشكيل أغلبية تجمع قوى يمين الوسط وترسل جناح اليسار في الاتحاد الأوروبي إلى المعارضة. وستكون مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة". بالطبع لا يعني التغير في المظهر وتوزيع الابتسامات مع قادة الاتحاد الأوروبي أن أوروبا اليمينية المتشددة تغيرت، أي أن "إخوة إيطاليا" وبقية الشركاء الأوروبيين قد غيروا بالفعل من توجهاتهم وسياساتهم المتشددة. وانتقال جورجيا ميلوني منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 من خطابات الغضب ضد الاتحاد الأوروبي، المتهم من قبلها قبل أن تصل إلى رئاسة الوزراء في ذلك الشهر، بالعمل ضد مصالح إيطاليا، إلى توزيع ابتسامات في اللقاءات مع قياديات في معسكره، كرئيسة المفوضية فون ديرلاين ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، يكشف عن أنها اختارت انتهاج مسار براغماتي في علاقتها بالنادي الأوروبي.
وتنم "تحولات" جورجيا ميلوني عن وعي بأن مشاكل إيطاليا لا يمكن حلّها بعيداً عن أوروبا، وينطبق هذا، بين أمور أخرى كثيرة، على أزمة الطاقة وارتفاع تكلفة المعيشة وآثار الحرب في أوكرانيا ومسائل التضخم والدين العام الذي تجاوز نسبة 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من قضايا ذات أهمية أوروبية مشتركة تتعلق بالتسلح والعلاقة بروسيا. وهو ما يقدم نموذجاً لبقية أطراف المعسكر على مستوى القارة، رغم اختلاف المواقف في المعسكر حيال العلاقة بروسيا وآثار الحرب في أوكرانيا وحمى التسلح الغربي.
وبحسب تعليقات نشرها الباحث في شؤون اليمين المتطرف الأوروبي من المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، ألبرت بوفي رود، فإن هذا التيار "بات يتصرف وفق المنطق التجاري". وهذا على الأقل ما يظهر من خلال عام ونصف العام من علاقة ميلوني بالمفوضية الأوروبية، التي خلت من التصادم الذي ساد قبل أن تصبح جورجيا ميلوني رئيسة لحكومة بلادها، كما خلا التعامل حتى من تصادم شبيه بما يسود علاقة أوروبا برئيس حكومة المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان.
في المحصلة، يبدو أن تكتيكات جورجيا ميلوني تزيد من شعبيتها على مستوى الكتل البرلمانية الأوروبية القريبة من معسكرها اليميني المتشدد. ويبدو أن شرخاً ما سيتسلل إلى الصيغ التي سادت في طريقة تمرير تشريعات البرلمان الأوروبي. دفع ذلك في الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الحالي، عدداً من الديمقراطيين الاجتماعيين البارزين، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى التوقيع على تعهد بألا يعملوا أبدا مع أحزاب اليمين المتشدد أو كتلة الهوية في البرلمان الأوروبي. بينما في المقابل فتحت فون ديرلاين الأبواب أمام التعاون مع تلك الكتل، والأمر يذكر باختراقات اليمين المتشدد في عدد من الدول الأوروبية، حيث تبخرت التعهدات بعد التعاون باصطدامها بوقائع فرضت نفسها على ساحات العمل التشريعي والسياسي، من فنلندا والسويد شمالاً وصولاً إلى إيطاليا ومروراً بالنمسا وألمانيا وهولندا.
وبانتظار أن يحسم الناخب الأوروبي نتيجة انتخابات برلمانه، يبقى المرجح الأكبر هو تحقيق معسكر اليمين القومي المتشدد والشعبويين اختراقاً حقيقياً وجدياً في برلمان القارة المقبل. وفي ذلك تحد حقيقي نظراً لتأثير الدومينو في أن ارتفاع شعبية هذا التيار على مستوى البلدان يعني أيضاً ارتفاع شعبيته على مستوى القارة، والعكس صحيح، كما يقدم النموذج الإيطالي.
جورجيا ميلوني وترويض الذاكرة
على المستوى الشخصي، كثّفت جورجيا ميلوني جهودها لجعل الذاكرة الأوروبية أقل حدّة حين يُستدعى ماضيها. فـ"سيدة روما" اليوم انتمت منذ فترة المراهقة إلى "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، وذلك في العام في عام 1992 (ميلوني من مواليد 1977)، وهي الحركة التي تأسست في عام 1946 من قبل مجموعة من الإيطاليين آمنوا بأن إنهاء الفاشية في بلادهم أمر غير مقبول، وأرادوا مواصلة نهج الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني (1883 – 1945) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وإلى تلك الحركة، تعود جذور حزب "إخوة إيطاليا". في عام 1995، صرّحت الشابة جورجيا ميلوني بما تؤمن به حقيقة، بقولها: "أعتقد أن موسوليني كان سياسياً جيداً. كل ما فعله، فعله من أجل إيطاليا. ولم يكن هناك سياسي مثله خلال الـ50 سنة الماضية".
كثّفت جورجيا ميلوني جهودها لجعل الذاكرة الأوروبية أقل حدّة حين يُستدعى ماضيها
نضوج ميلوني، بل انتهازيتها السياسية، جعلتها تغيّر لهجتها، بعدما انتُخبت لعضوية البرلمان الإيطالي في عام 2006 تحت الاسم الجديد للحزب، "التحالف الوطني"، فاعتبرت أن موسوليني ارتكب مجرد "أخطاء". شاركت ميلوني في عام 2012 في تشكيل حزبها "إخوة إيطاليا"، لكن ليس من دون أن تذكّر مؤيديها بالجذور الفاشية للحزب، من خلال مشاركة أحد قادة الحركة الفاشية العنفية إغنازي لاروسا، مع آخرين ممن قادوا العنف الفاشي في المؤتمر التأسيسي للحزب في ميلانو. كذلك ضبطت الصحافة الإيطالية مرشح "إخوة إيطاليا" إلى منصب عمدة روما، إنريكو ميتشيتي، يقترح في عام 2020 استعادة التحية الرومانية (التي استخدمتها الفاشية) باعتبارها ستخفف من جائحة كورونا. بل إن حفيد بينيتو موسوليني، كايو موسوليني، انضم في 2014 إلى صفوف الحزب، وسرعان ما أصبح قيادياً فيه، وترشح عنه في انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2019. حملات كايو موسوليني الانتخابية تركزت على المدن والمباني المرتبطة بعصر جدّه الفاشي، مطلقا شعارات من مثل "الأمة والأسرة المسيحية".
وفي كتاب "أحفاد موسوليني: الفاشية في إيطاليا الحديثة"، ذكر ديفيد برودر، أن الفاشية عالقة في عقل ميلوني، مشدّداً على أنها "أشادت مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة بنموذجها السياسي الحديث، جورجيو ألميرانتي، الذي كان في حكومة موسوليني، وبعد الحرب (1946) أسّس الحزب الفاشي "الحركة الاجتماعية الإيطالية". عملياً اليوم، تقدم جورجيا ميلوني نموذجاً عن تفكير بقية الجناح الأوروبي اليميني والشعبوي المتشددين في الساحة الأوروبية، لناحية أن ارتفاع شعبيتها سيكون على محك ما ستحققه في البرلمان الأوروبي المقبل.
وما من شك أن لميلوني أهمية على مستوى توحيد صفوف وجهود المعسكر في البرلمان الأوروبي المقبل. ووضع اسمها على لوائح المرشحين لا يعني أنها ستغادر منصبها في روما، بل هو تكتيك سياسي انتخابي كان انتهجه أيضاً رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني لجذب المزيد من الأصوات للائحته، وهو ما يفعله في سياق أوروبي أوسع عددٌ من قادة الأحزاب وأبرز الشخصيات ذات الشعبية الكبيرة في بلدانها.
ورقة رئاسة المفوضية
مع ذلك، فإن عين جورجيا ميلوني على مناصب قيادية أوروبية ترسل إشارات أشبه بمقايضة التصويت لمصلحة هذا أو ذاك من الراغبين في مواصلة مسيرتهم القيادية في بروكسل، مقابل الحصول على نفوذ وتأثير في القرارات التي تتبناها المفوضية والمجلس الوزاري الأوروبيان، وقبل هذا وذاك على مستوى التشريع البرلماني، من خلال استغلال التقدم في صفوف المعسكر اليميني المتشدد (المحتمل) لجذب المزيد من الأحزاب والجماعات التي ترى نفسها جزءاً من هذا التيار، مثل "ديمقراطيي الدنمارك"، الذي تأسّس على يد وزيرة الهجرة السابقة والمتشددة إنغا ستويبرغ، التي انشقت عن حزب فينسترا (يمين وسط) على خلفية محاكمتها في قضايا تتعلق بتوجيهات اعتبرت غير قانونية بشأن فصل أزواج سوريين من القاصرين.
وما يعنيه أن تتصدر جورجيا ميلوني مشهد تقريب وتوحيد كتلة المحافظين الإصلاحيين في البرلمان الأوروبي مع "الهوية والديمقراطية" (كتلة سياسية في البرلمان الأوروبي تتبنى اتجاهاً سياسياً يمينياً إلى يميني متطرف وتشكلت بعد انتخابات 2019 الأوروبية)، وكتلة أحزاب الشعب الأوروبي (أحزاب ديمقراطية مسيحية)، ليس فقط أن حزبها شبه الفاشي، الذي كان يجري التهرب من مجرد التقاط صورة مع أحد قادته أو المشاركة في فعالية من فعالياته قبل عام 2012، يصبح جزءاً عادياً من مشهد سياسي محلي وأوروبي، بل تحدٍّ جاد للأحزاب التقليدية في يمين ويسار الوسط، بما في ذلك الاجتماعيين الديمقراطيين والأحزاب الليبرالية الأوروبية، في بحثها عن أغلبية برلمانية أوروبية لتمرير القوانين والتشريعات المشتركة، ومن خلال أطراف تقف أصلاً بالمرصاد لمفهوم وحدة أوروبا ومركزية قراراتها وسياساتها في بروكسل.
قدّمت جورجيا ميلوني في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو نهاية إبريل/نيسان الماضي، صورة واضحة عمّا تريده بقولها: "نريد تشكيل أغلبية تجمع قوى يمين الوسط وترسل جناح اليسار في الاتحاد الأوروبي إلى المعارضة. وستكون مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة". بالطبع لا يعني التغير في المظهر وتوزيع الابتسامات مع قادة الاتحاد الأوروبي أن أوروبا اليمينية المتشددة تغيرت، أي أن "إخوة إيطاليا" وبقية الشركاء الأوروبيين قد غيروا بالفعل من توجهاتهم وسياساتهم المتشددة. وانتقال جورجيا ميلوني منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 من خطابات الغضب ضد الاتحاد الأوروبي، المتهم من قبلها قبل أن تصل إلى رئاسة الوزراء في ذلك الشهر، بالعمل ضد مصالح إيطاليا، إلى توزيع ابتسامات في اللقاءات مع قياديات في معسكره، كرئيسة المفوضية فون ديرلاين ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، يكشف عن أنها اختارت انتهاج مسار براغماتي في علاقتها بالنادي الأوروبي.
فتحت فون ديرلاين الأبواب أمام التعاون مع كتل اليمين المتطرف في البرلمان
وتنم "تحولات" جورجيا ميلوني عن وعي بأن مشاكل إيطاليا لا يمكن حلّها بعيداً عن أوروبا، وينطبق هذا، بين أمور أخرى كثيرة، على أزمة الطاقة وارتفاع تكلفة المعيشة وآثار الحرب في أوكرانيا ومسائل التضخم والدين العام الذي تجاوز نسبة 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من قضايا ذات أهمية أوروبية مشتركة تتعلق بالتسلح والعلاقة بروسيا. وهو ما يقدم نموذجاً لبقية أطراف المعسكر على مستوى القارة، رغم اختلاف المواقف في المعسكر حيال العلاقة بروسيا وآثار الحرب في أوكرانيا وحمى التسلح الغربي.
وبحسب تعليقات نشرها الباحث في شؤون اليمين المتطرف الأوروبي من المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، ألبرت بوفي رود، فإن هذا التيار "بات يتصرف وفق المنطق التجاري". وهذا على الأقل ما يظهر من خلال عام ونصف العام من علاقة ميلوني بالمفوضية الأوروبية، التي خلت من التصادم الذي ساد قبل أن تصبح جورجيا ميلوني رئيسة لحكومة بلادها، كما خلا التعامل حتى من تصادم شبيه بما يسود علاقة أوروبا برئيس حكومة المجر القومي المحافظ فيكتور أوربان.
في المحصلة، يبدو أن تكتيكات جورجيا ميلوني تزيد من شعبيتها على مستوى الكتل البرلمانية الأوروبية القريبة من معسكرها اليميني المتشدد. ويبدو أن شرخاً ما سيتسلل إلى الصيغ التي سادت في طريقة تمرير تشريعات البرلمان الأوروبي. دفع ذلك في الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الحالي، عدداً من الديمقراطيين الاجتماعيين البارزين، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى التوقيع على تعهد بألا يعملوا أبدا مع أحزاب اليمين المتشدد أو كتلة الهوية في البرلمان الأوروبي. بينما في المقابل فتحت فون ديرلاين الأبواب أمام التعاون مع تلك الكتل، والأمر يذكر باختراقات اليمين المتشدد في عدد من الدول الأوروبية، حيث تبخرت التعهدات بعد التعاون باصطدامها بوقائع فرضت نفسها على ساحات العمل التشريعي والسياسي، من فنلندا والسويد شمالاً وصولاً إلى إيطاليا ومروراً بالنمسا وألمانيا وهولندا.
وبانتظار أن يحسم الناخب الأوروبي نتيجة انتخابات برلمانه، يبقى المرجح الأكبر هو تحقيق معسكر اليمين القومي المتشدد والشعبويين اختراقاً حقيقياً وجدياً في برلمان القارة المقبل. وفي ذلك تحد حقيقي نظراً لتأثير الدومينو في أن ارتفاع شعبية هذا التيار على مستوى البلدان يعني أيضاً ارتفاع شعبيته على مستوى القارة، والعكس صحيح، كما يقدم النموذج الإيطالي.