لم تصحُ إيران بعد من هوْل الصدمة التي واجهتها بعد رحيل إبراهيم رئيسي، الرجل الأول بعد المُرشد، والمُرشّح لخلافته، والذي ارتبط تاريخه في بداية حياته العملية بتاريخ "لجنة الموت"، التي نَفّذت في ثمانينيات القرن الراحل آلاف عمليات الإخفاء القسري، والإعدامات خارج القضاء، وقد سعى في فترة ولايته، التي دامت قرابة ثلاث سنوات، لأن يكون أميناً على سلوك سياسة التشدّد، التي قنّنها خامنئي بعد خميني، وعلى إعطاء الأولوية لمشروع "تصدير الثورة"، والعمل على حيازة "القنبلة النووية" وتكنولوجيا الصواريخ والمُسيّرات، بهدف إيجاد "عامل ردعٍ وتفوّقٍ" يتيح لإيران التحوّل قوّةً إقليميةً ودوليةً لا يمكن إغفالها في أيّ حسابات جيوسياسية أو عسكرية في المستقبل، ولكنّ هذا كلّه جرى على حساب تطمين طموحات وحاجات مواطنيه في الحصول على الخبز، والحرّية، وفرص العمل والأمان، وهو ما ساهم في خلق فجوة بين قاعدة الحكم، المُتمثّلة في رجال الدين و"الحرس الثوري"، والجيل الشاب، الذي أثقلته أعباء المعيشة الصعبة في ظلّ الحصار الذي تعيشه البلاد.
ترك رئيسي وراءه جروحاً كثيرةً لم يمكن لها أن تندمل في عهده، أقلّها ما كابدته 33 ألف أسرة فقدت أبناءها على يديه، ناهيك عن الأوضاع المُزرية التي عاشها الإيرانيون في ظلّه، وإذا كان الاحتمال الأقرب أن تتواصل سيطرة المحافظين المُتشدّدين على قيادة البلاد، وأن يواصل الرئيس الجديد سياسات سلفه، إلا أنّ الواضح أنّ الطريق لن يكون مُمهّداً أمامه بالشكل الذي كان عليه سلفه، خاصّة أنّه قد لا يحظى بالدعم الكامل من لدن المفاصل التي لها رأي في أمور البلاد (المؤسّسة الدينية، و"الحرس الثوري"، والاستخبارات "اطلاعات"، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والبرلمان)، إنّما قد يتولّى الرئاسة نتيجة تسوية يفرضها المُرشد الأعلى بحكم سلطته وسطوته، ومع غياب الأخير، قد يعود التنافس من جديد بين قيادات الصفّ الثاني، التي تعتقد أنّ الوقت قد حان كي تمسك بزمام القرار، لكنّ المُستبعَد أن تتغيّر اللعبة السياسية تبعاً لذلك في زمن قريب.
مع هذا، يظلّ تصاعد الصراع في الزمن اللاحق أمراً محتملاً، وربّما تحمل الشهور المقبلة تداعياتٍ أكثر إثارةً تسمح ببروز تياراتٍ مُعارِضةٍ جديدة، ودورة احتجاجات أخرى قد لا يستطيع الرئيس الجديد كبحها، وسيلجأ في مواجهتها إلى ممارسة حَزْمٍ أشدّ، وقمعٍ أوسع، وفي "حوليات" مُؤرّخ الإمبراطورية الرومانية تاسيتوس إشارة إلى أنّ "أفضل يوم بعد موت إمبراطور سيّئ هو اليوم الأول، لأنّ الإمبراطور الجديد سيكون أسوأ من سلفه"، وهذه الإشارة تنطبق على إيران، إذ يتوقّع كثيرون أن يكون القادم أسوأ من رئيسي، وهو ما يجعل الإيرانيين يعيشون معاناتهم زمناً أطولَ قبل أن يُتاح لهم أن يتنفّسوا هواءً نقيّاً (!)
وثمّة مجموعة مُؤشّرات على المدى الذي يمكن أن تصل إليه التداعيات المُنتظرَة، وتأثيرها في الخطط الأيديولوجية، التي رسمها الخميني المُؤسّس، بهدف صناعة تاريخ جديد للمنطقة، وكذلك على "التضاريس" السياسية المُحيطة بإيران، والتي تعيش، هي الأخرى، إرهاصاتٍ بتصدّعات وتغييرات بانت ملامحها في الأفق. وأول مُؤشّر هو الاجتماع الاستثنائي الذي عقده قادة المليشيات، في الساعات الأولى التي أعقبت مراسم تشييع جثمان رئيسي، وترأّسه القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسن سلامي، الذي أكّد "استمرار الجهاد والنضال حتَّى النصر الكبير"، وثمّة ملاحظة لافتة، هي حضور قيادات "الحشد الشعبي" الذي يتبع، بحسب ما تقوله حكومة بغداد، القائد العام للقوات المسلّحة العراقية، وتجنّب تلك القيادات التصريح عمّا دار في الاجتماع، وحتَّى عن مشاركتها فيه.
والمُؤشّر الثاني، وصول محمد كوثراني، القيادي في حزب الله اللبناني، إلى بغداد، على نحو مفاجئ، موفَداً من المُرشد الأعلى للعمل على رأب الصدع القائم بين مُقتدى الصدر وقادة المليشيات، ووضع الخطط لتنفيذ ما أقرّه اجتماع طهران. أمّا المُؤشّر الثالث، فهو خروج التيّارات "الإصلاحية" من عزلتها، التي فرضها عليها المُتشدّدون، والإعلان عن نيّتها العودة إلى الساحة، يمكن أن نذكر، هنا، التصريح اللافت للرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي دعا فيه الإصلاحيين لممارسة دور في تحديد مستقبل البلاد، وأيضاً تصريح لرئيس أسبق آخر هو محمود أحمدي نجاد بتوقّعه "تطورات تصبّ في مصلحة الشعب". المُؤشّر الرابع، ما عكسته وسائل التواصل الاجتماعي عن ارتياح أوساط واسعة في إيران لرحيل رئيسي، بخاصّة في أوساط الجامعات وقطاع الشباب والنساء، والأُسَر التي فقدت أبناءها على يده، وقيامها بإنزال صوره من بعض الأماكن وحرقها.
وعلى أيّ حال، لننتظر ما يحصل من تداعياتٍ، وعندها يكون لكلّ حادثٍ حديث.
ترك رئيسي وراءه جروحاً كثيرةً لم يمكن لها أن تندمل في عهده، أقلّها ما كابدته 33 ألف أسرة فقدت أبناءها على يديه، ناهيك عن الأوضاع المُزرية التي عاشها الإيرانيون في ظلّه، وإذا كان الاحتمال الأقرب أن تتواصل سيطرة المحافظين المُتشدّدين على قيادة البلاد، وأن يواصل الرئيس الجديد سياسات سلفه، إلا أنّ الواضح أنّ الطريق لن يكون مُمهّداً أمامه بالشكل الذي كان عليه سلفه، خاصّة أنّه قد لا يحظى بالدعم الكامل من لدن المفاصل التي لها رأي في أمور البلاد (المؤسّسة الدينية، و"الحرس الثوري"، والاستخبارات "اطلاعات"، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والبرلمان)، إنّما قد يتولّى الرئاسة نتيجة تسوية يفرضها المُرشد الأعلى بحكم سلطته وسطوته، ومع غياب الأخير، قد يعود التنافس من جديد بين قيادات الصفّ الثاني، التي تعتقد أنّ الوقت قد حان كي تمسك بزمام القرار، لكنّ المُستبعَد أن تتغيّر اللعبة السياسية تبعاً لذلك في زمن قريب.
مع هذا، يظلّ تصاعد الصراع في الزمن اللاحق أمراً محتملاً، وربّما تحمل الشهور المقبلة تداعياتٍ أكثر إثارةً تسمح ببروز تياراتٍ مُعارِضةٍ جديدة، ودورة احتجاجات أخرى قد لا يستطيع الرئيس الجديد كبحها، وسيلجأ في مواجهتها إلى ممارسة حَزْمٍ أشدّ، وقمعٍ أوسع، وفي "حوليات" مُؤرّخ الإمبراطورية الرومانية تاسيتوس إشارة إلى أنّ "أفضل يوم بعد موت إمبراطور سيّئ هو اليوم الأول، لأنّ الإمبراطور الجديد سيكون أسوأ من سلفه"، وهذه الإشارة تنطبق على إيران، إذ يتوقّع كثيرون أن يكون القادم أسوأ من رئيسي، وهو ما يجعل الإيرانيين يعيشون معاناتهم زمناً أطولَ قبل أن يُتاح لهم أن يتنفّسوا هواءً نقيّاً (!)
ترك رئيسي وراءه جروحاً كثيرةً لم يمكن لها أن تندمل في عهده، أقلّها ما كابدته 33 ألف أسرة فقدت أبناءها على يديه
وثمّة مجموعة مُؤشّرات على المدى الذي يمكن أن تصل إليه التداعيات المُنتظرَة، وتأثيرها في الخطط الأيديولوجية، التي رسمها الخميني المُؤسّس، بهدف صناعة تاريخ جديد للمنطقة، وكذلك على "التضاريس" السياسية المُحيطة بإيران، والتي تعيش، هي الأخرى، إرهاصاتٍ بتصدّعات وتغييرات بانت ملامحها في الأفق. وأول مُؤشّر هو الاجتماع الاستثنائي الذي عقده قادة المليشيات، في الساعات الأولى التي أعقبت مراسم تشييع جثمان رئيسي، وترأّسه القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسن سلامي، الذي أكّد "استمرار الجهاد والنضال حتَّى النصر الكبير"، وثمّة ملاحظة لافتة، هي حضور قيادات "الحشد الشعبي" الذي يتبع، بحسب ما تقوله حكومة بغداد، القائد العام للقوات المسلّحة العراقية، وتجنّب تلك القيادات التصريح عمّا دار في الاجتماع، وحتَّى عن مشاركتها فيه.
والمُؤشّر الثاني، وصول محمد كوثراني، القيادي في حزب الله اللبناني، إلى بغداد، على نحو مفاجئ، موفَداً من المُرشد الأعلى للعمل على رأب الصدع القائم بين مُقتدى الصدر وقادة المليشيات، ووضع الخطط لتنفيذ ما أقرّه اجتماع طهران. أمّا المُؤشّر الثالث، فهو خروج التيّارات "الإصلاحية" من عزلتها، التي فرضها عليها المُتشدّدون، والإعلان عن نيّتها العودة إلى الساحة، يمكن أن نذكر، هنا، التصريح اللافت للرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي دعا فيه الإصلاحيين لممارسة دور في تحديد مستقبل البلاد، وأيضاً تصريح لرئيس أسبق آخر هو محمود أحمدي نجاد بتوقّعه "تطورات تصبّ في مصلحة الشعب". المُؤشّر الرابع، ما عكسته وسائل التواصل الاجتماعي عن ارتياح أوساط واسعة في إيران لرحيل رئيسي، بخاصّة في أوساط الجامعات وقطاع الشباب والنساء، والأُسَر التي فقدت أبناءها على يده، وقيامها بإنزال صوره من بعض الأماكن وحرقها.
وعلى أيّ حال، لننتظر ما يحصل من تداعياتٍ، وعندها يكون لكلّ حادثٍ حديث.