ربّما يفهم المتابعُ العادي، والبعيد من الأزمة والحرب في اليمن، بعد ما يقارب عشر سنوات من بدئها، أنّ ما يجري انقلاب ما تُسمّى جماعة الحوثي، المدعومة إيرانياً، على الدولة اليمنية، التي اسقطتها في 21 سبتمبر/ أيلول 2013، ولا يدرك، بعد ذلك، خلفيات مثل هذه الجماعة ودوافعها وأهدافها وجذورها، وأفكارها التي تستند إليها في وجودها وممارساتها، ما يجعل جزءاً كبيراً من المشكلة غير مرئي، بالتالي، يبني رؤيته وتصوّراته، بشكل جزئي وغير دقيق، للمشهد اليمني وتعقيداته.
فجماعة الحوثي تعتبر نفسها امتداداً فكرياً وثقافياً للمذهب الزيدي، الذي اندثر في إيران والمغرب العربي، ولم يعُد له وجود سوى في أقصى شمال اليمن، في منطقة صعدة اليمنية وما حولها، وهو مذهبٌ ينتمي إلى التيّار الشيعي العامّ. والزيدية مذهباً تُنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والذي لم يذكر التاريخُ عنه أنّه أسّس مذهباً، وإنّما كان معارضاً سياسياً لدولة الأمويين، وكان تلميذاً لواصل بن عطاء المعتزلي، بحسب الشهرستاني وابن خلدون. لكنّ الثابت تاريخياً أنّ مؤسّس المذهب الزيدي، الهادوي كما في كتبهم، هو ما يسمّونه بالإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي (254- 298 هـ)، والذي هاجر من بلدة الرس في الحجاز إلى صعدة اليمنية (284 هـ)، مؤسّساً للمذهب الهادوي الذي يطلقون عليه المذهب الزيدي نسبة إلى زيد بن علي، الذي كما ذكرنا لم يُثبت تاريخياً أنّه أسّس مذهباً فقهياً، والزيدية في حقيقتها أحنافٌ فقهياً، ومعتزلة عقائدياً. أخذ الهادي يحيي بن الحسين الرسّي أصول المعتزلة الخمسة، وحذف منها الأصل الرابع، وهو المنزلة بين المنزلتين، وأضاف مكانها، الإمامة، التي جعلها الأصل الأول من أصول مذهبه الجديد، والذي تحوّل بإضافة الإمامة من مذهب كلامي إلى مذهب سياسي، تمثّل في تأسيس دولته الهادوية الزيدية في اليمن، والتي ظلّت فترةً طويلةً تختفي وتظهر، حسب قوّة خصومها ومنافسيها، طوال التاريخ اليمني حتَّى قيام ثورة 26 سبتمبر (1962)، والتي كانت قد قضت على دولة الإمامة الهادوية في اليمن، حتَّى عودتها مع صعود جماعة الحوثي بانقلابها على الدولة اليمنية (سبتمبر/ أيلول 2014).
يبقى مَن لا يدرك هذه التفاصيل التاريخية بلا رؤية دقيقة لتعقيدات المشهد اليمني، ويبقى ينظر إلى الأزمة والحرب الراهنة من زاوية أنّها مُجرّد حرب سياسية على المكاسب والنفوذ، وهي طبعاً كذلك، في جزء منها. ولكن في القلب من هذه الحرب ومركزها، هناك البعد العقائدي الطائفي المُتمثّل بدوافع عقائدية وأيديولوجية لجماعة الحوثي، التي ترى أنّ لها حقّاً إلهياً وتاريخياً في حكم اليمن، وهو ما تُؤكّده كلّ أدبياتها ووثائقها، المُعلنةُ وغير المُعلنة، وتاريخ الفكرة الزيدية الهادوية منذ تأسيسها، باعتبارها فكرة خليطة من المذهبية والطائفية والسياسة، يبقى جوهرُها فكرة عقائدية مُسيّسة. وتكمن إشكالية عقائدية هذه الفكرة في أنّها تستند إلى الرؤية العقائدية العامة للمذهبية الشيعية، عموماً، وهو ما يتعلّق برؤيتها السياسية؛ أي الإمامة (باسمها القديم)، في أنّها من أصول الدين، فيما هي (الإمامة) في كلّ المذاهب السنّية ليست من أصول الدين، وإنّما من فروع المسائل الفقهية الدنيوية، بعكس اعتبارها أصلاً، وهذا ما جعلها تكون أكثر تعقيداً في رؤيتها إلى مسألة الحقّ الإلهي في الحكم، باعتبار ما تسمّيهم الزيدية الحوثية، اليوم، آل البيت هم الأحقّ بالحكم والمال والعلم من غيرهم. وهو جوهر الصراع الدائر منذ عقود وقرون في اليمن، وظاهرٌ هذه اللحظة، التي ترى فيها جماعة الحوثي، باعتبارها ممثلّة للهادوية، أنّ زعيمها عبد الملك الحوثي هو الأحقّ بحكم اليمن دون غيره، وأنّ هذا الحقّ نصٌ قطعيٌّ لا جدل فيه، وأنّ الهاشميين سلالة مُقدّسة، وأنّ من دونهم مُجرّد عبيد سخّرهم الله لخدمة هذه السلالة المُقدّسة، بحسب المنظور المذهبي والعقائدي الحوثي، وتقسيماته، ورؤيته إلى المجتمع والناس. ولا تقتصر هذه النظرة إلى الناس على اليمنيين فحسب، وإنّما على كلّ العرب، وخصوصاً في الخليج، الذين تراهم أيديولوجيا الحوثي مُجرّد لقطاء، يتحكّمون بثروةٍ ليست من حقّهم، وإنّما الأولى والأحقّ بها هم الحوثي وجماعته. وانطلاقاً من هذه الفكرة الجدلية؛ "آل البيت"، التي تناسلت منها جلّ إشكالات التاريخ القديم والمعاصر في اليمن، وغيرها من بلاد المسلمين، المتعلّقة بنظرية الحقّ الإلهي في الحكم، وحروب المسلمين وانشقاقاتهم، قديماً، مذاهبَ وطوائفَ وفرقاً شتّى، كلّ فرقة ترى نفسها الأحقّ بكلّ شيء من دون الناس، مُحتكرة الحقيقة في الدين، ومن ثمّ في السياسة والمال والعلم، في تأصيلٍ خطيرٍ للعنصرية، من وجهة نظر دينية بحتة.
تكمن المشكلة (أو الخطورة) يمنياً، اليوم، إذا فرضنا جدلاً، تجاوزنا كلّ فرضيات النقاش الفقهي التقليدي لهذه القضية، وجدلياته العقيمة، في أنّ ثمّة مَنْ لا يزال، بعد أكثر من ألف عام، يرى نفسه من خلال إنزال هذه القضية للنقاش، وفي هذا التوقيت بالذات، أنّه ليس يمنياً، وأنّه هاشمي ومن درجة أعلى وأقدس من الجميع، يجب أن يُخصّص له خُمس ثروات البلاد من دون الناس، في دلالةٍ خطيرةٍ على عمق الأزمة التي يعيشها اليمن، في شقّيها، المذهبي والطائفي، وأنّ ثمّة مأزقا حقيقيا في ما يتعلق بجذور الصراع الخفية للحرب الدائرة في اليمن، غير تلك الأسباب السياسية التي تحصر الصراع بين شرعية وانقلاب. مأزق اللحظة اليمنية الراهنة ليس في حالة الحرب الدائرة وطول أمدها فحسب، بل في عودة اليمن عقوداً، بل قروناً، إلى الوراء، تخلّفاً وتراجعاً في كلّ المستويات، حتّى عن منظومة الأفكار والتصوّرات الإنسانية المُجرّدة، فضلاً عن الارتداد عن جوهر الإسلام الذي يُتصارَع، اليوم، تحت لافتاته، إذ تكمن الخطورة في أنّ هذا الصراع يتّخذ من الإسلام مادّة سجالية، وشعارات للحرب والمعركة، وفي مستهلّ القرن الواحد والعشرين، عصر الثورات الإنسانية الكبرى في العلم والأخلاق والتكنولوجيا، فتطفو إلى السطح جماعة لا تزال خارج سياق اللحظة والواقع، وكلّ ما له علاقة بحداثة الإنسان السياسية والأخلاقية والمدنية.
خطورة ما يقوم به الحوثيون، اليوم، أنّهم يؤسسون مُجدّداً لحروب مستمرّة، تستند إلى تقسيم الناس حسب جيناتهم ومذاهبهم ومناطقهم ولهجاتهم وأحسابهم وأنسابهم، ويتم ذلك كلّه وفقاً لقانون يسنّ ويشرعن لهم ذلك كلّه مثل قانون الخُمس الذي أصدروه. وهكذا، تصبح العنصرية قانوناً نافذاً لا أحد يمتلك حقّ مواجهته والاعتراض عليه، فكلّ من يعترض على قانون العنصرية كافر وعميل مباح الدم والعرض والمال، فلكم بعد هذا كلّه أن تتصوّروا كيف سيغدو اليمن في ظلّ وضع انقلابي شاذّ كهذا، يُشرعَن فيه كلّ الشذوذ، ويُسنّ له قوانين وأحكام منظّمة!
من لا يدرك هذه التعقيدات في الملفّ اليمني لا يمكن، في حال من الأحوال، أن يفهم ديناميات الصراع الدائر في اليمن، ولا أفق هذا الصراع ومآلاته على اليمن والمنطقة كلّها، ومن ثمّ، لا يمكن أن يضع مقارباته وحلوله لما يجري من دون إدراك هذه الخلفية للصراع الذي يجهلها أو يتجاهلها المجتمع الدولي في كلّ مقارباته للملفّ اليمني، مما جعلهم يدورون في حلقة مفرغة منذ ما يقارب عشر سنوات، وهم في نفس المكان لم يتقدّموا خطوة واحدة نحو الحلّ والسلام، ولن يتقدّموا ما داموا يقفزون فوق هذه الحقائق التاريخية المُجرّدة، التي ينبغي فهمها لفهم طبيعة الصراع في اليمن، وكيفية حلّه.
فجماعة الحوثي تعتبر نفسها امتداداً فكرياً وثقافياً للمذهب الزيدي، الذي اندثر في إيران والمغرب العربي، ولم يعُد له وجود سوى في أقصى شمال اليمن، في منطقة صعدة اليمنية وما حولها، وهو مذهبٌ ينتمي إلى التيّار الشيعي العامّ. والزيدية مذهباً تُنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والذي لم يذكر التاريخُ عنه أنّه أسّس مذهباً، وإنّما كان معارضاً سياسياً لدولة الأمويين، وكان تلميذاً لواصل بن عطاء المعتزلي، بحسب الشهرستاني وابن خلدون. لكنّ الثابت تاريخياً أنّ مؤسّس المذهب الزيدي، الهادوي كما في كتبهم، هو ما يسمّونه بالإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي (254- 298 هـ)، والذي هاجر من بلدة الرس في الحجاز إلى صعدة اليمنية (284 هـ)، مؤسّساً للمذهب الهادوي الذي يطلقون عليه المذهب الزيدي نسبة إلى زيد بن علي، الذي كما ذكرنا لم يُثبت تاريخياً أنّه أسّس مذهباً فقهياً، والزيدية في حقيقتها أحنافٌ فقهياً، ومعتزلة عقائدياً. أخذ الهادي يحيي بن الحسين الرسّي أصول المعتزلة الخمسة، وحذف منها الأصل الرابع، وهو المنزلة بين المنزلتين، وأضاف مكانها، الإمامة، التي جعلها الأصل الأول من أصول مذهبه الجديد، والذي تحوّل بإضافة الإمامة من مذهب كلامي إلى مذهب سياسي، تمثّل في تأسيس دولته الهادوية الزيدية في اليمن، والتي ظلّت فترةً طويلةً تختفي وتظهر، حسب قوّة خصومها ومنافسيها، طوال التاريخ اليمني حتَّى قيام ثورة 26 سبتمبر (1962)، والتي كانت قد قضت على دولة الإمامة الهادوية في اليمن، حتَّى عودتها مع صعود جماعة الحوثي بانقلابها على الدولة اليمنية (سبتمبر/ أيلول 2014).
ثمّة مَنْ لا يزال يرى نفسه أنّه ليس يمنياً، وأنّه هاشمي ومن درجة أعلى وأقدس من الجميع، يجب أن يُخصّص له خُمس ثروات اليمن
يبقى مَن لا يدرك هذه التفاصيل التاريخية بلا رؤية دقيقة لتعقيدات المشهد اليمني، ويبقى ينظر إلى الأزمة والحرب الراهنة من زاوية أنّها مُجرّد حرب سياسية على المكاسب والنفوذ، وهي طبعاً كذلك، في جزء منها. ولكن في القلب من هذه الحرب ومركزها، هناك البعد العقائدي الطائفي المُتمثّل بدوافع عقائدية وأيديولوجية لجماعة الحوثي، التي ترى أنّ لها حقّاً إلهياً وتاريخياً في حكم اليمن، وهو ما تُؤكّده كلّ أدبياتها ووثائقها، المُعلنةُ وغير المُعلنة، وتاريخ الفكرة الزيدية الهادوية منذ تأسيسها، باعتبارها فكرة خليطة من المذهبية والطائفية والسياسة، يبقى جوهرُها فكرة عقائدية مُسيّسة. وتكمن إشكالية عقائدية هذه الفكرة في أنّها تستند إلى الرؤية العقائدية العامة للمذهبية الشيعية، عموماً، وهو ما يتعلّق برؤيتها السياسية؛ أي الإمامة (باسمها القديم)، في أنّها من أصول الدين، فيما هي (الإمامة) في كلّ المذاهب السنّية ليست من أصول الدين، وإنّما من فروع المسائل الفقهية الدنيوية، بعكس اعتبارها أصلاً، وهذا ما جعلها تكون أكثر تعقيداً في رؤيتها إلى مسألة الحقّ الإلهي في الحكم، باعتبار ما تسمّيهم الزيدية الحوثية، اليوم، آل البيت هم الأحقّ بالحكم والمال والعلم من غيرهم. وهو جوهر الصراع الدائر منذ عقود وقرون في اليمن، وظاهرٌ هذه اللحظة، التي ترى فيها جماعة الحوثي، باعتبارها ممثلّة للهادوية، أنّ زعيمها عبد الملك الحوثي هو الأحقّ بحكم اليمن دون غيره، وأنّ هذا الحقّ نصٌ قطعيٌّ لا جدل فيه، وأنّ الهاشميين سلالة مُقدّسة، وأنّ من دونهم مُجرّد عبيد سخّرهم الله لخدمة هذه السلالة المُقدّسة، بحسب المنظور المذهبي والعقائدي الحوثي، وتقسيماته، ورؤيته إلى المجتمع والناس. ولا تقتصر هذه النظرة إلى الناس على اليمنيين فحسب، وإنّما على كلّ العرب، وخصوصاً في الخليج، الذين تراهم أيديولوجيا الحوثي مُجرّد لقطاء، يتحكّمون بثروةٍ ليست من حقّهم، وإنّما الأولى والأحقّ بها هم الحوثي وجماعته. وانطلاقاً من هذه الفكرة الجدلية؛ "آل البيت"، التي تناسلت منها جلّ إشكالات التاريخ القديم والمعاصر في اليمن، وغيرها من بلاد المسلمين، المتعلّقة بنظرية الحقّ الإلهي في الحكم، وحروب المسلمين وانشقاقاتهم، قديماً، مذاهبَ وطوائفَ وفرقاً شتّى، كلّ فرقة ترى نفسها الأحقّ بكلّ شيء من دون الناس، مُحتكرة الحقيقة في الدين، ومن ثمّ في السياسة والمال والعلم، في تأصيلٍ خطيرٍ للعنصرية، من وجهة نظر دينية بحتة.
خطورة ما يقوم به الحوثيون أنّهم يؤسسون مُجدّداً لحروب مستمرّة، تستند إلى تقسيم الناس حسب جيناتهم ومذاهبهم ومناطقهم ولهجاتهم
تكمن المشكلة (أو الخطورة) يمنياً، اليوم، إذا فرضنا جدلاً، تجاوزنا كلّ فرضيات النقاش الفقهي التقليدي لهذه القضية، وجدلياته العقيمة، في أنّ ثمّة مَنْ لا يزال، بعد أكثر من ألف عام، يرى نفسه من خلال إنزال هذه القضية للنقاش، وفي هذا التوقيت بالذات، أنّه ليس يمنياً، وأنّه هاشمي ومن درجة أعلى وأقدس من الجميع، يجب أن يُخصّص له خُمس ثروات البلاد من دون الناس، في دلالةٍ خطيرةٍ على عمق الأزمة التي يعيشها اليمن، في شقّيها، المذهبي والطائفي، وأنّ ثمّة مأزقا حقيقيا في ما يتعلق بجذور الصراع الخفية للحرب الدائرة في اليمن، غير تلك الأسباب السياسية التي تحصر الصراع بين شرعية وانقلاب. مأزق اللحظة اليمنية الراهنة ليس في حالة الحرب الدائرة وطول أمدها فحسب، بل في عودة اليمن عقوداً، بل قروناً، إلى الوراء، تخلّفاً وتراجعاً في كلّ المستويات، حتّى عن منظومة الأفكار والتصوّرات الإنسانية المُجرّدة، فضلاً عن الارتداد عن جوهر الإسلام الذي يُتصارَع، اليوم، تحت لافتاته، إذ تكمن الخطورة في أنّ هذا الصراع يتّخذ من الإسلام مادّة سجالية، وشعارات للحرب والمعركة، وفي مستهلّ القرن الواحد والعشرين، عصر الثورات الإنسانية الكبرى في العلم والأخلاق والتكنولوجيا، فتطفو إلى السطح جماعة لا تزال خارج سياق اللحظة والواقع، وكلّ ما له علاقة بحداثة الإنسان السياسية والأخلاقية والمدنية.
خطورة ما يقوم به الحوثيون، اليوم، أنّهم يؤسسون مُجدّداً لحروب مستمرّة، تستند إلى تقسيم الناس حسب جيناتهم ومذاهبهم ومناطقهم ولهجاتهم وأحسابهم وأنسابهم، ويتم ذلك كلّه وفقاً لقانون يسنّ ويشرعن لهم ذلك كلّه مثل قانون الخُمس الذي أصدروه. وهكذا، تصبح العنصرية قانوناً نافذاً لا أحد يمتلك حقّ مواجهته والاعتراض عليه، فكلّ من يعترض على قانون العنصرية كافر وعميل مباح الدم والعرض والمال، فلكم بعد هذا كلّه أن تتصوّروا كيف سيغدو اليمن في ظلّ وضع انقلابي شاذّ كهذا، يُشرعَن فيه كلّ الشذوذ، ويُسنّ له قوانين وأحكام منظّمة!
من لا يدرك هذه التعقيدات في الملفّ اليمني لا يمكن، في حال من الأحوال، أن يفهم ديناميات الصراع الدائر في اليمن، ولا أفق هذا الصراع ومآلاته على اليمن والمنطقة كلّها، ومن ثمّ، لا يمكن أن يضع مقارباته وحلوله لما يجري من دون إدراك هذه الخلفية للصراع الذي يجهلها أو يتجاهلها المجتمع الدولي في كلّ مقارباته للملفّ اليمني، مما جعلهم يدورون في حلقة مفرغة منذ ما يقارب عشر سنوات، وهم في نفس المكان لم يتقدّموا خطوة واحدة نحو الحلّ والسلام، ولن يتقدّموا ما داموا يقفزون فوق هذه الحقائق التاريخية المُجرّدة، التي ينبغي فهمها لفهم طبيعة الصراع في اليمن، وكيفية حلّه.