شيخي رجلٌ طاعنٌ في السن، لكنه خَبرَ الناس، وعَلِمَ تقلبات الزمان، وله في الحكمةِ باعٌ طويل، وأنا أزورهُ بين الفينةِ والأخرى لأتزوّدَ من حكمته.
هو اليوم معتكفٌ في خلوته يتعبّد بالتفكّر، ويرى أن تلك العبادة أهملها كثيرٌ من الخلق.
وهنا أوردُ بعضاً مما دار في مجالسه.
(1)
سألتُ شيخي: كثيراً ما يربطُ خطباءُ الجمعة بين تغيير حال الناس بتغيير ما بأنفسهم، مستدلين بالآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [ الرعد: 11].
فهّلا شرحت لي الأمر بحذافيره!
قال: التغيير الذي يحدث للناس ما هو إلا قَدَرٌ من أقداره سبحانه وتعالى التي كتبها على عباده في اللوح المحفوظ، و...
قاطعته سائلاً: ما دام أن الأمر قد كُتب على الناس، فلِمَ سميناه تغييراً، والتغيير يتطلّب حدوث أي زمن حاضر؟
قال: لو صبرتَ عليّ لفهمتْ.
قلتُ في خفوت: تفضل.
قال: إن أقدارنا تأتي على قدر نياتنا.
قد تبدو لك هذه الجملة متناقضة في طرفيها؛ حيث إن أقدارنا كُتبت قبل وجودنا على الأرض، في حين نياتنا تكون إبّان حياتنا عليها.
ولكي أزيل هذا التناقض، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يقيّده لا زمان ولا مكان؛ لأن هذين البُعدين، أصلاً، ما وجدا إلا مع وجود الكون نفسه، كما تقرر الفيزياء الحديثة، أي أنهما حدثا بحدوث الكون، فكيف يكونا قيداً على خالق الكون؟
وكذلك إن الله سبحانه من أسمائه الحسنى المتعالي؛ أي المستعلي على كل شيء بقدرته، فهو مستعلٍ على قيود الزمان والمكان، وقد جاءت لفظة المتعالي في القرآن الكريم مرتبطة بعلمه سبحانه وتعالى لعالم الغيب الذي يخفى عنا، وعالم الشهادة الذي نعيش فيه، فقال عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9].
لذا فعلمُه علم انكشاف لمَا سيكون؛ فلمّا علم بما ستكون عليه نياتنا في مستقبلنا، كانت أقداره التي سطّرها علينا متوافقة مع تلكم النيات.
لذا إذا غيّر الناس ما بأنفسهم من نيّات، فستكون أقدارهم على قدر تلكم النيات؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر..
والقرآن يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
***
(2)
مما أوصاني شيخي:
الدنيا مزرعة الآخرة، ولن يفلحَ في الآخرة إلا المفلح في الدنيا؛ فلا تصدّق، يا بُني، ما يردده الكسالى عن الزهد والانعزال عن الخلق وعدم الخوض في الدنيا وأمورها، وانظر إلى ما انتهت إليه مشورتهم؛ فقد امتلك الدنيا منْ لا دين لهم، لأن الصالحين فرّوا من معركة الدنيا زاهدين عنها، أو ما توهموا أنه الزهد، وما ذلك بزهد، بل هو العجز عينه!
مَنْ أراد الزهد، فليزهدْ عن الحرام، لكن في أمور الحلال، فليكنْ لك القدح المُعلَّى، واليد الطولى، و(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم.
***
(3)
مما أدركتُ من أقوال شيخي الحكيم:
"الأمة التي تحمل هاجس الخوف من الاعتداء، تكنْ في مأمنٍ من المباغتة، فكيف بأمةٍ في جهلها لاهية، وعن درب التقدم سارت ناحية؟".
هو اليوم معتكفٌ في خلوته يتعبّد بالتفكّر، ويرى أن تلك العبادة أهملها كثيرٌ من الخلق.
وهنا أوردُ بعضاً مما دار في مجالسه.
(1)
سألتُ شيخي: كثيراً ما يربطُ خطباءُ الجمعة بين تغيير حال الناس بتغيير ما بأنفسهم، مستدلين بالآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [ الرعد: 11].
فهّلا شرحت لي الأمر بحذافيره!
قال: التغيير الذي يحدث للناس ما هو إلا قَدَرٌ من أقداره سبحانه وتعالى التي كتبها على عباده في اللوح المحفوظ، و...
قاطعته سائلاً: ما دام أن الأمر قد كُتب على الناس، فلِمَ سميناه تغييراً، والتغيير يتطلّب حدوث أي زمن حاضر؟
قال: لو صبرتَ عليّ لفهمتْ.
قلتُ في خفوت: تفضل.
قال: إن أقدارنا تأتي على قدر نياتنا.
قد تبدو لك هذه الجملة متناقضة في طرفيها؛ حيث إن أقدارنا كُتبت قبل وجودنا على الأرض، في حين نياتنا تكون إبّان حياتنا عليها.
ولكي أزيل هذا التناقض، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يقيّده لا زمان ولا مكان؛ لأن هذين البُعدين، أصلاً، ما وجدا إلا مع وجود الكون نفسه، كما تقرر الفيزياء الحديثة، أي أنهما حدثا بحدوث الكون، فكيف يكونا قيداً على خالق الكون؟
وكذلك إن الله سبحانه من أسمائه الحسنى المتعالي؛ أي المستعلي على كل شيء بقدرته، فهو مستعلٍ على قيود الزمان والمكان، وقد جاءت لفظة المتعالي في القرآن الكريم مرتبطة بعلمه سبحانه وتعالى لعالم الغيب الذي يخفى عنا، وعالم الشهادة الذي نعيش فيه، فقال عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9].
لذا فعلمُه علم انكشاف لمَا سيكون؛ فلمّا علم بما ستكون عليه نياتنا في مستقبلنا، كانت أقداره التي سطّرها علينا متوافقة مع تلكم النيات.
لذا إذا غيّر الناس ما بأنفسهم من نيّات، فستكون أقدارهم على قدر تلكم النيات؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر..
والقرآن يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
***
(2)
مما أوصاني شيخي:
الدنيا مزرعة الآخرة، ولن يفلحَ في الآخرة إلا المفلح في الدنيا؛ فلا تصدّق، يا بُني، ما يردده الكسالى عن الزهد والانعزال عن الخلق وعدم الخوض في الدنيا وأمورها، وانظر إلى ما انتهت إليه مشورتهم؛ فقد امتلك الدنيا منْ لا دين لهم، لأن الصالحين فرّوا من معركة الدنيا زاهدين عنها، أو ما توهموا أنه الزهد، وما ذلك بزهد، بل هو العجز عينه!
مَنْ أراد الزهد، فليزهدْ عن الحرام، لكن في أمور الحلال، فليكنْ لك القدح المُعلَّى، واليد الطولى، و(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم.
***
(3)
مما أدركتُ من أقوال شيخي الحكيم:
"الأمة التي تحمل هاجس الخوف من الاعتداء، تكنْ في مأمنٍ من المباغتة، فكيف بأمةٍ في جهلها لاهية، وعن درب التقدم سارت ناحية؟".